لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث نلاحظ جواباً على إعتراض يهود بني النضير على قطع المسلمين لنخيلهم - كما ورد في شأن النزول - بأمر من رسول الله (ص) لتهيئة ظروف أفضل لقتال بني النضير أو لزيادة حزنهم وألمهم، فيضطرّوا للنزول من قلاعهم ومنازلة المسلمين خارج القلعة... وقد أثار هذا العمل غضب اليهود وحنقهم، فقالوا: يامحمّد، ألم تكن الناهي عن مثل هذه الأعمال؟ فنزلت الآية الكريمة مبيّنة لهم أنّ ذلك من أمر الله سبحانه حيث يقول الباريء: (وما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على اُصولها فبإذن الله(9) وليخري الفاسقين). "لينة" من مادّة (لون) تقال لنوع جيّد من النخل، وقال آخرون: إنّها من مادّة (لين) بمعنى الليونة التي تطلق على نوع من النخل، والتي لها أغصان ليّنة قريبة من الأرض وثمارها ليّنة ولذيذة. وتفسّر (ليّنة) أحياناً بألوان وأنواع مختلفة من شجر النخيل، أو النخل الكريم، والتي جميعها ترجع إلى شيء واحد تقريباً. وعلى كلّ حال فإنّ قسماً من المسلمين أقدموا على قطع بعض نخيل بني النضير، في الوقت الذي خالف البعض الآخر ذلك، وهنا نزلت الآية أعلاه وفصلت نزاعهم في هذا الموضوع(10). وقال البعض الآخر: إنّ الآية دالّة على عمل شخصين من الصحابة، وقد كان أحدهم يقوم بقطع الجيّد من شجر النخل ليغضب اليهود ويخرجهم من قلاعهم، والآخر يقوم بقطع الرديء من الأشجار كي يبقي ما هو جيّد ومفيد، وحصل خلاف بينهم في ذلك، فنزلت الآية حيث أخبرت أنّ عملهما بإذن الله(11). ولكن ظاهر الآية يدلّ على أنّ المسلمين قطعوا بعض نخل (اللينة) وهي نوع جيّد من النخل، وتركوا قسماً آخر، ممّا أثار هذا العمل اليهود، فأجابهم القرآن الكريم بأنّ هذا العمل لم يكن عن هوى نفس، بل عن أمر إلهي صدر في هذا المجال، وفي دائرة محدودة لكي لا تكون الخسائر فادحة. وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان إستثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع... والعمل أعلاه كان مرتبطاً بمورد معيّن حيث اُريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك - وعادةً توجد إستثناءات جزئيّة في كلّ قانون، كما في جواز أكل لحم الميّت عند الضرورة القصوى والإجبار. جملة (وليخزي الفاسقين) ترينا على الأقل أنّ أحد أهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء، وكسر لشوكتهم وتمزيق لروحيّتهم. ملاحظات 1 - الجيوش الإلهيّة اللا مرئية: في الوقت الذي تعتبر القوى الماديّة أكبر سلاح لتحقيق الإنتصار من وجهة نظر الماديين، فإنّ إعتماد المؤمنين يتمركز حول محورين (القيم المعنوية والإمكانات المادية) والذي قرأنا نموذجاً منه في قصّة إندحار بني النضير كما بيّنت ذلك الآيات السابقة. ونقرأ في هذه الآية أحد العوامل المؤثّرة في هذا الإنتصار حيث ألقى الله سبحانه الرعب في قلوب اليهود، بحيث أخذوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم، وتخلّوا عن ديارهم وأموالهم مقابل السماح لهم بالخروج من المدينة. وقد ورد هذا المعنى بصورة متكرّرة في القرآن الكريم، منها ما ورد في قصّة اُخرى حول قسم آخر من اليهود وهم (بنو قريظة). حيث اشتبكوا إشتباكاً شديداً مع المسلمين بعد غزوة الأحزاب، وفي هذا المعنى يقول سبحانه: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً). وجاء هذا المعنى في غزوة بدر حيث يقول تعالى: (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب). وبعض هذا الخوف الذي هو عبارة عن جيش إلهي غير مرئي يكاد يكون أمراً طبيعيّاً، ولكن بعضه يمثّل سرّاً من الأسرار غير الواضحة لنا، أمّا الطبيعي منه فانّ المؤمنين يرون أنفسهم منتصرين سواء قتل أو تغلّب على العدوّ. والشخص الذي يؤمن بهذا الإعتقاد لا يجد الخوف طريقاً إليه، ومثل هذا الإنسان سيكون اُعجوبة في صموده وثباته كما يكون - أيضاً - مصدر خوف وقلق لأعدائه، والذي نلاحظه في عالم اليوم أنّ بلداناً عديدة تملك قدرات هائلة من الإمكانات العسكرية المتطورة والمادية الكبيرة، تخشى من ثلّة من المؤمنين الصادقين الذائدين عن الحقّ، ويحاولون دائماً تحاشي مواجهتهم. وفي حديث حول هذا المعنى يقول رسول الله (ص): "نصرت بالرعب مسيرة شهر"(12). يعني أنّ الرعب لم يصب الأعداء في خطّ المواجهة فحسب، بل أصاب من كان من الأعداء على مسافة شهر واحد من جيش الإسلام. وحول جيوش الإمام المهدي (ع) نقرأ أنّ ثلاثة جيوش تحت أمره وهم: (الملائكة، و المؤمنون، و الرعب)(13). وفي الحقيقة، إنّ الأعداء يبدلّون كافّة إمكاناتهم لتجنّب الضربة من الخارج، إلاّ أنّهم غفلوا عن أنّ الله سبحانه يهزمهم داخليّاً، حيث أنّ الضربة الداخلية أوجع للنفس، ولا يمكن تداركها بسهولة، حتّى لو وضعت تحت تصرّفهم كلّ الأسلحة والجيوش، فإنّها غير قادرة على أن تحقّق النصر مع فقدان المعنوية العالية والروحية المؤهّلة لخوض القتال، وبالتالي فإنّ الفشل والخسران أمر متوقّع جدّاً لأمثال هؤلاء. 2 - مؤامرات اليهود المعاصرة. إنّ التاريخ الإسلامي إقترن منذ البداية بمؤامرات اليهود، ففي كثير من الحوادث الأليمة والفجائع الدامية ترى أصابعهم مشهودة بشكل مباشر أو غير مباشر. والعجيب أنّ هؤلاء نزحوا إلى ديار الحجاز طمعاً في أن يكونوا في الصفّ الأوّل من أصحاب النبي الموعود إلاّ أنّهم بعد ظهوره أصبحوا من ألدّ أعدائه. وعندما نستقرىء حالتهم المعاصرة فإنّنا نلاحظ أيضاً أنّهم متورّطون في أغلب المؤامرات المدبّرة ضدّ الإسلام، ويتجسّد موقفهم هذا في داخل الأحداث تارةً ومن خارجها اُخرى، وفي الحقيقة فإنّ هذا هو موضع تأمّل وإعتبار لمن كان له قلب وبصيرة. والطريق الوحيد لكسر شوكتهم كما يؤكّده تاريخ صدر الإسلام، هو التعامل الحدّي والجدّي معهم، خصوصاً مع الصهاينة الذين لا يتعاملون بمبادىء العدل والحقّ أبداً، بل منطقهم القوّة، وبغيرها لا يمكن التفاهم معهم، ومع هذا فإنّ خوفهم الحقيقي هو من المؤمنين الصادقين. وإذا كان المسلمون المعاصرون مسلّحين بالإيمان والإستقامة المبدئية - كأصحاب رسول الله (ص) - فإنّ الرعب سيستحوذ على قلوب اليهود ونفوسهم، وبالإمكان عندئذ إخراجهم من الأرض الإسلامية التي إغتصبوها بهذا الجيش الإلهي. وهذا درس علّمنا رسول الله (ص) إيّاه قبل أربعة عشر قرناً. ﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ﴾ نخلة من اللون أو اللين وجمعه ألوان أو أليان ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فبأمره ﴿وَلِيُخْزِيَ﴾ أي وأذن لكم في القطع ليخزي ﴿الْفَاسِقِينَ﴾.