التّفسير:
البشارة بظهور النّبي (أحمد):
تأتي الآية الكريمة - أعلاه - مكمّلة لمحورين أساسيين تحدّثت عنهما الآيات السابقة وهما (الإنسجام بين القول والعمل) و (وحدة الصفّ الإيماني)، لتستعرض لنا زاوية من حياة النبيين العظيمين (موسى وعيسى) (عليهما السلام)، ومتطرّقة إلى طبيعة التناقض والإنفصام بين أقوال أتباعهم وأعمالهم، بالإضافة إلى (عدم إنسجام صفوفهم) وأخيراً المصير السيء الذي انتهوا إليه.
يقول تعالى: (وإذ قال موسى لقومه ياقوم لِمَ تؤذونني وقد تعلمون أنّي رسول الله إليكم).
هذه الآية لعلّها إشارة إلى مخالفات بني إسرائيل وذرائعهم في حياة موسى(ع)، أو أنّها إشارة إلى قصّة (بيت المقدس) حيث قال بنو إسرائيل لموسى(ع): (إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها - أي الجبّارين - فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون)(1) ولهذا فقد بقوا في وادي (التيه) أربعين سنة، ذاقوا فيها وبال أمرهم لتهاونهم في أمر الجهاد، ولإدّعاءاتهم الواهية.
ولكن مع الإلتفات إلى الآية (69) من سورة الأحزاب يظهر أنّ المراد من هذا الإيذاء هو ما كانوا ينسبونه لموسى (ع) من تهم، كما يبيّن ذلك قوله تعالى: (ياأيّها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله ممّا قالوا وكان عند الله وجيهاً).
حيث اتّهم (ع) بقتل أخيه هارون (ع)، واُخرى - معاذ الله - بالعلاقة مع امرأة فاسقة (وذلك ضمن مخطّط قارون للتهرّب من إعطاء الزكاة)، وثالثة بالسحر والجنون، كما أُلصقت به (ع) عدّة عيوب جسمية اُخرى، جاء شرحها في تفسير الآية - أعلاه - من سورة الأحزاب(2).
كيف يستسيغ هؤلاء أدعياء الإيمان إلصاق أمثال هذه التّهم بأنبيائهم!؟
إنّ هذه الممارسة تمثّل في الواقع نموذجاً صارخاً للتناقض بين القول والعمل، ممّا حدا بموسى (ع) إلى مخاطبة أصحابه: لماذا تسيؤون إليّ مع علمكم بأنّي رسول الله إليكم؟
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الممارسات لم تبق بدون عقاب كما نقرأ ذلك في نهاية الآية حيث، قال تعالى: (فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين).
وهكذا تنزل بمثل هذا الإنسان أعظم الدواهي، حيث يحرم من الهداية الإلهية وينحرف قلبه عن الحقّ(3).
إنّ ما يستفاد من المفهوم الذي إستعرضته الآية المباركة أنّ الهداية والضلالة وإن كانت من قبل الله سبحانه، إلاّ أنّ مقوّماتها وأرضيتها تكون من الإنسان نفسه، حيث يقول سبحانه: (فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وذلك ما يوضّح أنّ الخطوة الاُولى من الإنسان نفسه، ويقول سبحانه من جهة اُخرى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين).
فإذا صدر من الإنسان ذنب ومعصية فقد يسلب منه التوفيق والهداية الإلهية وعندئذ يصاب بالحرمان الأكبر.
وقد بحثنا مفصّلا في هذا المجال في تفسير الآية (36) من سورة الزمر، (فراجع).
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ﴾ لما تقدمني ﴿مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ومصدقا ومبشرا حالان عاملها معنى الإرسال في الرسول ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا﴾ المجيء به ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ بين وقرىء ساحر فالإشارة إلى الجائي.