لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
كما أنّنا نقرأ في الآية اللاحقة عن شعبتين من الهبات الإلهية التي تفضل بها الباريء على عباده المؤمنين في هذه الدنيا حيث يقول: (واُخرى تحبّونها نصر من الله وفتح قريب). يالها من تجارة مباركة مربحة حيث تشتمل على الفتح والنصر والنعمة والرحمة، ولذلك عبّر عنها الباريء سبحانه بقوله: (الفوز العظيم) ونصر كبير. ولهذا فإنّه سبحانه يبارك للمؤمنين تجارتهم العظيمة هذه، ويزفّ لهم البشرى بقوله تعالى: (وبشّر المؤمنين). وجاء في الحديث أنّه في "ليلة العقبة" - الليلة التي التقى بها رسول الله سرّاً بأهل المدينة قرب مكّة وأخذ منهم البيعة - قال "عبدالله بن رواحة" لرسول الله (ص): اشترط لربّك ونفسك ما شئت. فقال (ص): أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال (ص): (الجنّة). قال عبدالله: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، أي لا نفسخ ولا نقبل الفسخ(10). بحوث 1 - أي فتح هو "الفتح القريب"!؟ من المعروف أنّ النصر الموعود في هذه الآيات قد تحقّق مرّات عدّة، ليس في الجوانب العقائدية والمنطقية فحسب. بل في الميادين الحربية أيضاً. وقد ذكر المفسّرون إحتمالات عديدة حول المقصود من (الفتح القريب)، فقال البعض: إنّ المراد من الفتح القريب في الآية هو (فتح مكّة). وقال آخرون: إنّ المقصود بها هو (فتح بلاد إيران والروم). وقال البعض الآخر: إنّها تشمل جميع الفتوحات الإسلامية التي منّ الله بها على المسلمين بعد الإيمان بالإسلام والجهاد من أجله بفترة وجيزة. ولأنّ المخاطب في هذه الآية لا ينحصر بصحابة رسول الله. بل يشمل جميع المؤمنين وعلى مدى التأريخ، لذا فإنّ جملة: (نصر من الله وفتح قريب) لها معنى واسع، وتمثّل بشارة للمؤمنين جميعاً، بالرغم من أنّ المصداق الواضح لهذه الآية كان في عصر الرّسول (ص)، وفي وقت نزول هذه الآيات إبان فتح مكّة. 2 - ما هي خصائص المساكين الطيّبة؟ أكّدت الآيات الكريمة على أنّ من ضمن أنواع النعم الإلهية في الجنّة مسألة المسكن الهاديء، موضع إستقرار النفس، الذي تحيط به الحدائق من كلّ جانب في جنّات الخلد، وسبب التأكيد هنا على المسكن لأنّه يشكّل أحد العوامل الأساسية لراحة الإنسان وهدوئه، خصوصاً إذا تميّز بالطهر والنظافة من كلّ أنواع التلوّث المادّي والمعنوي، حيث يستطيع الإنسان أن يستقرّ به وينعم بطمأنينة الروح وراحة البال. يقول (الراغب) في المفردات: معنى (الطيب) في الأصل هو الشيء الذي تلتذّ به الحواس الظاهرية والباطنية، وهذا المعنى جامع شامل لكلّ الشروط المناسبة لسكن ما. والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّ القرآن الكريم يرى أنّ ثلاثة اُمور أساسية توجب السكينة والطمأنينة للإنسان وهي: ظلام الليل: (وجعل الليل سكناً)(11). الزوجة الصالحة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها)(12). البيوت السكنية قال تعالى: (والله جعل لكم من بيوتكم سكناً)(13). 3 - الدنيا موضع تجارة أولياء الله جاء في نهج البلاغة أنّ الإمام علي (ع) قال لرجل كثير الإدّعاء والتملّق كان يذمّ الدنيا كثيراً: "أيّها الذامّ للدنيا المغترّ بغرورها المخدوع بأباطيلها أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها ...إنّ الدنيا دار صدق لمن صدّقها ودار موعظة لمن اتّعظ بها ...إلى أن قال: ومتجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنّة ..."(14). وإذا شبّهت الدنيا بأنّها مزرعة الآخرة، فقد شبّهت أيضاً هنا بأنّها تجارة، حيث أنّ الإنسان يبيع البضاعة (رأس المال) التي أخذها من الله سبحانه يبيعها عليه تعالى شأنه بأغلى الأثمان ويستلم منه سبحانه أعظم الأرباح المتمثّلة بالنعم والهبات الإلهية المختلفة مقابل متاع حقير. إنّ جانب الإغراء في هذه الصفقة التجارية النافعة كان من أجل تحريك وإثارة المحفّزات الإنسانية في طريق الخير وجلب النفع للإنسان ودفع الضرر، لأنّ هذه التجارة الإلهية لا تنحصر أرباحها في جلب النفع والخير فحسب، بل إنّها تدفع العذاب الأليم أيضاً. ونظير هذا المعنى قوله تعالى: (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة)(15). وتقدّم شرح آخر في تفسير الآية الآنفة من سورة التوبة(16). ﴿وَأُخْرَى﴾ أي ولكم مع هذه النعمة الآجلة نعمة عاجلة أو يؤتكم نعمة ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ صفة ﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ خبر محذوف على الوجهين أو بدل على الأول ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ عاجل هو فتح مكة أو الأعم منه ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بما وعدناهم عاجلا وآجلا.