بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة - أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي - يضيف قائلا: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
وهذه الآية في الحقيقة كالآية - 164 - في سورة آل عمران التي تقول: (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
وقد احتمل بعضهم جملة (ذلك فضل الله) إشارة إلى أصل مقام النبوّة الذي يعطيه الله لمن يكون لائقاً به، غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب، مع أنّه يمكن الجمع بين التّفسيرين بأن يقال: إنّ قيادة الرّسول (ص) كانت نعمة للاُمّة كما أنّ مقام النبوّة نعمة عظيمة لشخص الرّسول الكريم.
ولا نجد حاجة إلى القول بأنّ تعبير (من يشاء) لا يعني أنّ الله ينزل رحمته وبركاته بدون حساب وبلا سبب، بل إنّ المشيئة هنا مرادفة للحكمة كما وصف الباري نفسه في بداية السورة بأنّه العزيز الحكيم.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في معنى هذا الفضل الإلهي: "فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بعث إليهم رسولا، فعقد بملّته طاعتهم وجمع على دعوته أُلفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين.
وفي خضرة عيشها فكهين".
ملاحظة
الفضل الإلهي له حساب:
جاء في الحديث أنّ جمعاً من الفقراء ذهبوا إلى رسول الله وقالوا: "يارسول الله، إنّ للأغنياء ما يتصدّقون وليس لنا ما نتصدّق ولهم ما يحجّون وليس لنا ما نحجّ ولهم ما يعتقون وليس لنا ما نعتق.
فقال (ص): من كبّر مائة مرّة كان أفضل من عتق رقبة، ومن سبّح الله مائة مرّة كان أفضل من مائة فرس في سبيل الله يسرجها ويلجمها.
ومن هلّل الله مائة مرّة كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلاّ من زاد.
فبلغ ذلك الأغنياء فقالوه.
فرجع الفقراء إلى النبي فقالوا: يارسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه، فقال (ص): (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، (وهذه إشارة إلى أنّ ذلك لأمثالكم فإنّكم مشتاقون إلى الإنفاق ولا تملكون ما تنفقون).
أمّا الأغنياء فسبيل بلوغهم ثواب الله هو إنفاق أموالهم في سبيله(22).
هذا الحديث شاهد على ما ذكرنا سابقاً من أنّ ثواب الله وفضله لا يعطى بدون حساب.
﴿ذَلِكَ﴾ الفضل الذي اختصه به ﴿فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء﴾ بمقتضى حكمته ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ فهو الحقيق بإيتاء الفضل