وتوضّح الآية اللاحقة علامات المنافقين بشكل أكثر وضوحاً، إذ يقول تعالى: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) فهم يتمتّعون بظواهر جميلة وأجسام لطيفة.
(وإن يقولوا تسمع لقولهم) لأنّه ينطوي على شيء من التحسين والعذوبة.
وفي الوقت الذي يتأثّر الرّسول بحديث بعضهم - كما يبدو من ظاهر التعبير - فكيف بالآخرين؟!
هذا فيما يخصّ ظاهرهم، أمّا باطنهم فـ (كأنّهم خشب مسنّدة).
فأجسامهم خالية من الروح، ووجوههم كالحة، وكيانهم خاو منخور من الداخل، ليس لهم أيّة إرادة ولا يتمتّعون بأيّة إستقلالية (كالأخشاب المسنّدة) المكدّسة.
روى بعض المفسّرين في صفة رئيس المنافقين (عبدالله بن أُبي) "كان عبدالله بن اُبي رجلا جسيماً صبيحاً فصيحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله (ص)فيستندون فيه، ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن، فكان النبي ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم"(53).
وكان هؤلاء يتميّزون بالضعف والخواء في داخلهم، لا يعرفون التوكّل والإعتماد على الله ولا على أنفسهم، فهم كما يصفهم القرآن الكريم في آية اُخرى: (يحسبون كلّ صيحة عليهم).
يسيطر عليهم الخوف والرعب وسوء الظنّ، وتغمر أرواحهم النظرة السوداء السيّئة... تجدهم في خوف دائم من ظلمهم وخيانتهم حتّى اعتبر ذلك علامة مميّزة لهم (الخائن خائف).
وقد نبّه القرآن الكريم في نهاية الآية قائلا: (هم العدو فاحذرهم) أي هم الأعداء الواقعيون.
ويضيف (قاتلهم الله أنّى يؤفكون) أي كيف ينحرفون عن الحقّ.
ولا يريد القرآن بهذا التعبير الإخبار، وإنّما يريد لعنهم وذمّهم بشدّة، وهو أشبه بالتعابير التي يستخدمها الناس في ذمّ بعضهم البعض.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ ضخامة وجمالا ﴿وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ لفصاحته وحلاوته ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾ إلى حائط في خلوهم من العلم والخير ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ﴾ كنداء في العسكر ونحوه ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي واقعة عليهم لخورهم واتهامهم ﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ الكاملون في العداوة ﴿فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ دعاء عليهم بالهلاك ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ كيف يصرفون عن الهدى.