بعد هذا التحذير الشديد يأمر الله تعالى بالإنفاق في سبيله حيث يقول: (وأنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصالحين)(61).
والأمر بالإنفاق هنا يشمل كافّة أنواع الإنفاق الواجبة والمستحبّة، رغم قول البعض بأنّها تعني التعجيل في دفع الزكاة.
والطريف أنّه جاء في ذيل الآية (فأصدّق وأكن من الصالحين) لبيان تأثير الإنفاق في صلاح الإنسان، وإن فسّره البعض بأنّه أداء "مراسم الحجّ" كما عبّرت بعض الروايات عن نفس هذا المعنى فهو من قبيل ذكر المصداق البارز.
وأراد القرآن أن يلفت الأنظار إلى أنّ الإنسان لا يقول هذا الكلام بعد الموت، بل عند الموت والإحتظار، إذ قال: (من قبل أن يأتي أحدكم الموت).
وقال (ممّا رزقناكم) ليؤكّد أنّ جميع النعم - وليس الأموال فقط - هي من عند الله، وأنّها ستعود إليه عمّا قريب، فلا معنى للبخل والحرص والتقتير.
على أي حال فإنّ هناك عدداً كبيراً من الناس يضطربون كثيراً حينما يجدون أنفسهم على وشك الإنتقال إلى عالم البرزخ، والرحيل عن هذه الدنيا، وترك كلّ ما بنوا فيها من أموال طائلة وملاذ واسعة، دون أن يستثمروها في تعمير الآخرة.
﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم﴾ أي بعضه ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ أي أمارته ﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ زمان قليل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ فأتصدق ﴿وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ في العمل جزم عطفا على محل مجموع فأصدق وقرىء بالنصب عطف على أصدق.