ثمّ يشير تعالى إلى أمر الخلقة الملازم لقدرته، إذ يقول تعالى: (هو الذين خلقكم) وأعطاكم نعمة الحرية والإختيار (فمنكم كافر ومنكم مؤمن).
وبناءً على هذا فإنّ الإمتحان الإلهي يجد له في هذا الجو مبرّراً كافياً ومعنى عميقاً (والله بما تعملون بصير).
ثمّ يوضّح مسألة الخلقة أكثر بالإشارة إلى الهدف منها، إذ يقول في الآية اللاحقة: (خلق السموات والأرض بالحقّ).
فإنّ هذا الخلق الحقّ الدقيق ينطوي على غايات عظيمة وحكمة بالغة، حيث يقول تعالى في الآية (27) من سورة ص: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا).
ثمّ يتحدّث القرآن الكريم عن خلق الإنسان، ويدعونا بعد آيات الآفاق إلى السير في آفاق الأنفس، يقول تعالى: (وصوّركم فأحسن صوركم).
لقد صوّر الإنسان بأحسن الصور وأجملها، وجعل له من المواهب الباطنية الفكرية والعقلية ما جعل العالم كلّه ينطوي فيه.
وأخيراً تنتهي الاُمور إليه تعالى (وإليه المصير).
نعم، إنّ هذا الإنسان الذي هو جزء من عالم الوجود، ينسجم من ناحية الخلقة والفطرة مع سير هذا العالم أجمع وغاية الوجود، حيث يبدأ من أدنى المراتب ويرتقي إلى اللامحدود حيث القرب من الحقّ تبارك وتعالى.
جملة: (فأحسن صوركم) يراد بها الإشارة إلى المظهر الخارجي والمحتوى الداخلي على حدّ سواء.
وأنّ التأمّل في خلق الإنسان وصورته، يظهر مدى القدرة التي خلق بها الباريء هذا المخلوق الرائع، الذي امتاز على كلّ ما سواه من المخلوقات.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ قدم الكفر لغلبته ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من كفر وإيمان ﴿بَصِيرٌ﴾ عليم فيجازيكم به.