يقول تعالى في سكن النساء المطلّقات: (أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم).
"وجد" على وزن (حكم)، بمعنى القدرة والتمكّن، وذكر المفسّرون تفاسير اُخرى ترجع في النتيجة إلى نفس المعنى، إذ يقول الراغب في المفردات: إنّ التعبير بـ (من وجدكم) يعني بما تستطيعون وبما تقدرون عليه، وبمعنى اختاروا مسكناً مناسباً قدر الإمكان للنساء المطلّقات.
ومن الطبيعي أنّه حينما يكون الإسكان على نفقة الزوج وفي عهدته، فإنّ الاُمور الاُخرى من الإنفاق ستقع هي الاُخرى على عاتق الزوج، والشاهد على هذا المدّعى ذيل الآية الذي يتحدّث عن نفقة النساء الحوامل.
ثمّ يتطرّق تعالى لذكر حكم آخر (ولا تضاروهنّ لتضيّقوا عليهن).
حذار أن يغرّكم البعض ويزرع بينكم البغض والعداوة والنفور، ممّا يؤدّي إلى إخراجكم عن جادّة الحقّ، فتحرمونهنّ حقوقهنّ الطبيعية في السكن والنفقة، وتجعلوهنّ تحت ضغوط لا يستطعن معها إلاّ الهرب وترك كلّ شيء.
يقول تعالى في ثالث حكم حول النساء الحوامل (وإن كنّ اُولات حمل فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ).
فما دمن حاملات فهنّ في حالة عدّة يستحقّنّ النفقة والسكن على الزوج.
ويقول تعالى في الحكم الرابع حول حقوق النساء المرضعات (فإن أرضعن لكم فآتوهنّ اُجورهنّ).
اُجرة تتناسب مع مقدار وزمان الإرضاع، وطبقاً لما هو معروف وشائع عرفاً.
ونظراً لأنّ الأطفال كثيراً ما يصبحون نقطة للنزاع والخلاف بين الزوج والزوجة بعد الطلاق، فقد أوضح القرآن في الحكم الخامس هذا الأمر بشكل قاطع ولائق حيث قال: (وأتمروا بينكم بمعروف) وتشاوروا بينكم في مصير الأولاد ومستقبلهم.
ويحذّر القرآن الكريم من مغبّة أن يكون الأطفال ضحيّة الخلاف الواقع بين الزوج والزوجة، ممّا يترك عليهم آثاراً واضحة على تكوينهم الجسمي والنفسي، إذ يحرمون من حنان الاُمّ والأب وشفقتهما فينبغي أن يتّقي الأبوان الله تعالى ويحفظا حقوق الأطفال فإنّهم لا يستطيعون الدفاع عنها.
وجملة "وأتمروا" من مادّة "ايتمار" وتأتي أحياناً بمعنى "قبول الأمر" وأحياناً اُخرى بمعنى "التشاور" والمعنى الثاني أقرب إلى معنى الآية.
والتعبير "بمعروف" تعبير جامع يشمل كلّ مشاورة فيها خير وصلاح.
وفي حالة عدم حصول التوافق والتفاهم بين الزوجين حول مصير الأطفال وقضيّة إرضاعهم، يقول القرآن في سادس حكم في هذا المجال (وإن تعاسرتم فسترضع له اُخرى).
إشارة إلى أنّ الخلافات إذا طالت وتعقّدت فأعطوا الأطفال إلى مرضعة اُخرى، ورغم أنّ الاُمّ هي الأولى بذلك، لكن إذا بقي الأطفال ينتظرون، وظلّ النزاع على حاله، فلا ينبغي أن ينسى الأطفال في خضم هذا النزاع.
﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ أي بعض مكان سكناكم ﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ من وسعكم وطاقتكم ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ﴾ بإسكانهن ما لا يليق بهن ﴿لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ فتضطروهن إلى الخروج ﴿وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ يعم الرجعية والبائن والسكنى من النفقة ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ الولد ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ ويؤذن بعدم وجوب الإرضاع على الأم بعد البينونة كما عليه الأصحاب ﴿وَأْتَمِرُوا﴾ أقبلوا الأمر ﴿بَيْنَكُم﴾ في الأوضاع والأجر ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بوجه جميل بلا تعاسر ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾.