ثمّ يتحدّث القرآن مع زوجتي الرّسول اللتين كانتا وراء هذا الحادث بقوله: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما).
وقد اتّفق المفسّرون الشيعة والسنّة على أنّ تلك الزوجتين هما "حفصة بنت عمر" و "عائشة بنت أبي بكر".
"صغت" من مادّة "صغو" على وزن "عفو" بمعنى الميل إلى شيء ما، لذلك يقال "صغت النجوم" "أي مالت النجوم إلى الغروب" ولهذا جاء إصطلاح "إصغاء" بمعنى الإستماع إلى حديث شخص آخر.
والمقصود من "صغت قلوبكما" أي مالت من الحقّ إلى الباطل وإرتكاب الذنب(117).
ثمّ يضيف تعالى: (وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).
ويتّضح من هذا كم تركت هذه الحادثة من أثر مؤلم في قلب الرّسول (ص)وروحه العظيمة، ورغم قدرة الرّسول المتكاملة نشاهد أنّ الله يدافع عنه إذ يعلن حماية جبرائيل والمؤمنين له.
ومن الجدير بالذكر أنّه ورد في صحيح البخاري (ما مضمونه) عن ابن عبّاس أنّه قال: سألت عمر: من كانت المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت والله إن كنت لاُريد أن أسألك عن هذا قال: فلا تفعل ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبّرتك به، قال ثمّ قال عمر: والله إن كنّ في الجاهلية ما تعدّ للنساء أمراً حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم..."(118).
وفي تفسير الدرّ المنثور، ورد أيضاً عن ابن عبّاس ضمن حديث مفصّل أنّه قال: قال عمر: "...علمت بعد هذه الحادثة أنّ النبي اعتزل جميع النساء، وأقام في "مشربة أُمّ إبراهيم"، فأتيته وقلت: يارسول الله هل طلّقت نساءك؟ قال: لا.
قلت: الله أكبر، كنّا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر من ذلك فوالله إنّ أزواج النبي ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل... فقلت لإبنتي حفصة لا تفعلي ذلك أبداً وإن فعلته جارتك (يعني عائشة) لأنّك لست هي ..."(119).
﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ مالت عما يرضي النبي إلى ما يسخطه وعبر عن المثنى بالجمع كراهة الجمع بين الثنتين فاكتفى تثنية المضاف إليه أو إشارة إلى أن كل جزء من البدن صغي فكان أجزاء البدن قلوب ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ على النبي فيما يؤذيه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ ناصره ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهو أميرهم علي (عليه السلام) كما رواه العامة والخاصة ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد نصر الله وجبرئيل وعلي (عليهما السلام) ﴿ظَهِيرٌ﴾ ظهراء له أي أعوان في نصره والكلام مسوق للمبالغة في نصره وإلا فكفى بالله وليا ونصيرا.