لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويلقي القرآن الضوء في الآية اللاحقة على طريق النجاة من النار حيث يقول ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ) نعم... إنّ أوّل خطوة على طريق النجاة هي التوبة والإقلاع عن الذنب، التوبة التي يكون هدفها رضا الله والخوف منه.التوبة الخالصة من أي هدف آخر كالخوف من الآثار الإجتماعية والآثار الدنيوية للذنوب. وأخيراً التوبة التي يفارق بها الإنسان الذنب ويتركه إلى الأبد. ومن المعلوم أنّ حقيقة التوبة هي الندم على الذنب، وشرطها التصميم على الترك في المستقبل. وأمّا إذا كان العمل قابلا لأن يجبر ويعوّض فلابدّ من الجبران والتعويض، والتعبير بـ (يكفّر عنكم) إشارة إلى هذا المعنى. وبناءً على هذا يمكننا تلخيص أركان التوبة بخمسة اُمور (ترك الذنب، الندم، التصميم على الإجتناب في المستقبل، جبران ما مضى، الإستغفار). "نصوح" من مادّة نصح، بمعنى طلب الخير بإخلاص، ولذلك يقال للعسل الخالص بأنّه (ناصح) وبما أنّ من يريد الخير واقعاً يجب أن يكون عمله توأماً للإتقان جاءت كلمة "نصح" أحياناً بهذا المعنى، ولذا يقال للبناء المتين بأنّه "نصاح" - على وزن كتاب - ويقال للخيّاط "ناصح"، وكلا المعنيين - أي الخلوص والمتانة - يجب توفّرهما في التوبة النصوح(127). وأمّا حول المعنى الحقيقي للتوبة النصوح؟ فقد وردت تفاسير مختلفة ومتعدّدة حتّى أوصلها البعض إلى 23 تفسيراً(128). غير أنّ جميع هذه التفاسير تعود إلى حقيقة واحدة وفروعها والاُمور المتعلّقة بها وشرائطها المختلفة. ومن هذه التفاسير القول بأنّ التوبة (النصوح) يجب أن تتوفّر فيها أربعة شروط: الندم الداخلي، الإستغفار باللسان، ترك الذنب، والتصميم على الإجتناب في المستقبل. وقال البعض الآخر بأنّها (أي التوبة النصوح) ذات شروط ثلاثة (الخوف من عدم قبولها، والأمل بقبولها، والإستمرار على طاعة الله. أو أنّ التوبة "النصوح" التي تجعل الذنوب دائماً أمام أعين أصحابها، ليشعر الإنسان بالخجل منها. أو أنّها تعني إرجاع المظالم والحقوق إلى أصحابها، وطلب التحليل وبراءة الذمّة من المظلومين، والمداومة على طاعة الله. أو هي التي تشتمل على اُمور ثلاثة: قلّة الأكل، قلّة القول، قلّة النوم. أو التوبة النصوح هي التي يرافقها بكاء العين، واشمئزاز القلب من الذنوب وما إلى ذلك من فروع التوبة الواقعية وهي التوبة الخالصة التامّة الكاملة. جاء في حديث عن رسول الله (ص) عندما سأله معاذ بن جبل عن "التوبة النصوح" أجابه قائلا: "أن يتوب التائب ثمّ لا يرجع في الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع"(129). وبهذا التعبير اللطيف يتّضح أنّ التوبة يجب أن تحدث إنقلاباً في داخل النفس الإنسانية، وتسدّ عليها أي طريق للعودة إلى الذنب، وتجعل من الرجوع أمراً مستحيلا كما يستحيل إرجاع اللبن إلى الضرع والثدي. وقد جاء هذا المعنى في روايات اُخرى، وكلّها توضّح الدرجة العالية للتوبة النصوح، فإنّ الرجوع ممكن في المراتب الدنيا من التوبة، وتتكرّر التوبة حتّى يصل الإنسان إلى المرحلة التي لا يعود بعدها إلى الذنب. ثمّ يشير القرآن الكريم إلى آثار التوبة الصادقة النصوح بقوله: (عسى ربّكم أن يكفّر عنكم سيّئاتكم). (ويدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار). (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه). (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) ويضيء لهم طريقهم في المحشر ويوصلهم إلى الجنّة. وهنا يتوجّهون إلى الله بطلب العفو: (ويقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنّك على كلّ شيء قدير). وبذلك تكون التوبة (النصوح) لها خمس ثمرات مهمّة: الاُولى: غفران الذنوب والسيّئات. الثانية: دخول الجنّة المملوءة بنعم الله. الثالثة: عدم الفضيحة في ذلك اليوم العصيب الذي ترتفع فيه الحجب وتظهر فيه حقائق الأشياء، ويفتضح الكاذبون الفجّار. نعم في ذلك اليوم سيكون للرسول (ص) والمؤمنين شأن عظيم، لأنّهم لم ولن يقولوا إلاّ ما هو واقع. الرابع: أنّ نور إيمانهم وعملهم يتحرّك بين أيديهم فيضيء طريقهم إلى الجنّة. (واعتبر بعض المفسّرين أنّ "النور" الذي يتحرّك أمامهم إنّما هو نور العمل، وكان لنا تفسير آخر أوردناه في ذيل الآية 12 من سورة الحديد). الخامس: يتجهون إلى الباري أكثر من ذي قبل، ويرجونه تكميل نورهم والغفران الكامل لذنوبهم. ملاحظات 1 - تعليم وتربية العائلة من الواضح أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عامّة على جميع الناس ولا تخصّ بعضاً دون آخر. غير أنّ مسؤولية الإنسان تجاه زوجته وأبنائه أكد من غيرها وأشدّ إلزاماً، كما يتجلّى ذلك بشكل واضح من الروايات الواردة في مصادر عديدة، وكذلك الآيات السابقة التي تدعو الإنسان لأن يبذل أقصى جهده لتربية أهله وتعليمهم، ونهيهم عن إرتكاب الذنوب وحثّهم على اكتساب الخيرات، ولا ينبغي عليه أن يقنع ويكتفي بتوفير الغذاء الجسمي لهم. وبما أنّ المجتمع عبارة عن عدد معيّن من وحدات صغيرة تدعى "العائلة" فإنّ الإهتمام بالعائلة وتربيتها تربية إسلامية صحيحة سيجعل أمر إصلاح المجتمع أسهل وأيسر. وتبرز هذه المسؤولية أكثر وتكتسب أهميّة خاصّة في العصر الراهن، حيث تجتاح المجتمع موجات من الفساد والضلال الخطرة، وتحتاج إلى وضع برنامج دقيق ومدروس لتربية العائلة لمواجهة هذه الموجات دون التأثّر بها والإنجراف مع تيارها. فنار الآخرة ليست هي النار الوحيدة التي يكون مصدرها الإنسان نفسه ومن داخله، بل نار الدنيا هي الاُخرى تستمدّ وجودها من هذا الإنسان، لهذا يجب على كلّ إنسان أن يقي نفسه وعائلته من هذه النار. جاء في الحديث أنّ أحد الصحابة سأل النبي بعد نزول الآية السابقة: كيف أقي أهلي ونفسي من نار جهنّم، فأجابه (ص): "تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عمّا نهاهم الله، إن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك"(130). وفي حديث آخر جامع ولطيف عن الرّسول (ص) أنّه قال: "ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته"(131). ونختم هذا البحث بحديث عن أمير المؤمنين (ع) في تفسير هذه الآية قال فيه: "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم"(132). 2 - التوبة باب إلى رحمة الله كثيراً ما تهجم على الإنسان الذنوب واللوابس - خاصّة في بدايات توجّهه وسلوكه إلى الله - وإذا أغلقت جميع أبواب العودة والرجوع بوجهه، فإنّه سيبقى في نهجه هذا إلى الأبد، ولهذا نجد الإسلام قد فتح باباً للعودة وسمّاه "التوبة"، ودعا جميع المذنبين والمقصّرين إلى دخول هذا الباب لتعويض وجبران الماضي. يقول الإمام علي بن الحسين (ع) في مناجاة التائبين: "إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سمّيته التوبة، فقلت (توبوا إلى الله توبة نصوحاً) فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه!!"(133). وقد شدّدت الروايات على أهميّة التوبة إلى الحدّ الذي نقرأ في الحديث عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: "إنّ الله تعالى أشدّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها"(134). كلّ هذه الروايات العظيمة تحثّ وتؤكّد على هذا الأمر الحياتي المهمّ. لكن ينبغي التأكيد على أنّ التوبة ليست مجرّد (لقلقة لسان) وتكرار قول (استغفر الله) وإنّما للتوبة شروط وأركان مرّت الإشارة إليها في تفسير التوبة النصوح في الآيات السابقة. وكلّما تحقّقت التوبة بتلك الشروط والأركان فإنّها ستؤتي ثمارها وتعفي آثار الذنب من قلب وروح الإنسان تماماً، ولذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر(ع): "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزء"(135). وقد وردت بحوث اُخرى عن التوبة في ذيل الآية (17) من سورة النساء وفي ذيل الآية (53) من سورة الزمر. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ ناصحة بإخلاص الندم على الذنب والعزم على عدم العود والنصح صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة فوصفت به مجازا مبالغة أو خالصة لله أو ذات نصوح ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ إطماع أريد به الوجوب على عادة الملوك وعسى من الله واجب كما في الخبر ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أمامهم ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ ويكون بأيمانهم ﴿يَقُولُونَ﴾ أي قائلين ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ أي الجنة ﴿وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.