وبعد إستعراض نظام الموت والحياة الذي تناولته الآية السابقة، تتناول الآية اللاحقة النظام الكلّي للعالم، وتدعو الإنسان إلى التأمّل في عالم الوجود، والتهيّؤ لمخاض الإمتحان الكبير عن طريق التدبّر في آيات هذا الكون العظيم، يقول تعالى: (الذي خلق سبع سموات طباقاً).
بالنسبة إلى موضوع السموات السبع فقد استعرضنا شيئاً حولها في تفسير الآية (12) من سورة الطلاق، ونضيف هنا أنّ المقصود من (طباقاً) هو أنّ السموات السبع، كلا منها فوق الاُخرى، إذ أنّ معنى (المطابقة) في الأصل هو الشيء فوق شيء آخر.
ويمكن إعتبار "السموات السبع" إشارة إلى الكرات السبع للمنظومة الشمسية، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، حيث تبعد كلّ منها مسافة معيّنة عن الشمس أو تكون كلّ منها فوق الاُخرى.
أمّا إذا اعتبرنا أنّ جميع ما نراه من النجوم الثابتة والسيارة ضمن السماء الاُولى، فيتّضح لنا أنّ هنالك عوالم اُخرى في المراحل العليا، حيث أنّ كلّ واحد منها يكون فوق الآخر.
ثمّ يضيف سبحانه: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت).
إنّ الآية أعلاه تبيّن لنا أنّ عالم الوجود - بكلّ ما يحيطه من العظمة - قائم وفق نظام مستحكم، وقوانين منسجمة، ومقادير محسوبة، ودقّة متناهية، ولو وقع أي خلل في جزء من هذا العالم الفسيح لأدّى إلى دماره وفنائه.
وهذه الدقّة المتناهية، والنظام المحيّر، والخلق العجيب، يتجسّد لنا في كلّ شيء، ابتداء من الذرّة الصغيرة وما تحويه من الإلكترونات والنيوترونات والبروتونات، وانتهاءً بالنظم الحاكمة على جميع المنظومة الشمسية والمنظومات الاُخرى، كالمجرّات وغيرها... إذ أنّ جميع ذلك يخضع لسيطرة قوانين متناهية في الدقّة، ويسير وفق نظام خاصّ.
وخلاصة القول أنّ كلّ شيء في الوجود له قانون وبرنامج، وكلّ شيء له نظام محسوب.
"فطور" من مادّة (فطر)، على وزن (سطر) بمعنى الشقّ من الطول، كما تأتي بمعنى الكسر (كإفطار الصيام) والخلل ثمّ يضيف تعالى مؤكّداً: (فارجع البصر هل ترى من فطور).
والإفساد، وقد جاءت بهذا المعنى في الآية مورد البحث.
ويقصد بذلك أنّ الإنسان كلّما دقّق وتدبّر في عالم الخلق والوجود، فإنّه لا يستطيع أن يرى أي خلل أو اضطراب فيه.
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ مصدر وصف به أي مطابقة بعضها فوق بعض أو طوبقت طباقا أو ذات طباق ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ تناقض وعدم تناسب وأتى بالرحمن مقام الضمير تعظيما وإيذانا بأن في خلقهن رحمة وإنعاما بمنافع شتى ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ﴾ أعده متأملا في السماء وتناسبها ونظامها ﴿هَلْ تَرَى﴾ فيها ﴿مِن فُطُورٍ﴾ صدوع وخلل.