لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير)، أجل هكذا يأتي إعترافهم بذنوبهم بعد فوات الأوان (فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير). وفي هذه الآيات وضمن بيان المصير المرعب لهؤلاء يشير إلى السبب الحقيقي لذلك، فمن جهة أعطاهم الله تعالى الاُذن السامعة والعقل، ومن جهة اُخرى بعث إليهم الرسل والأنبياء بالدلائل الواضحة فلو اقترن هذان الأمران فالنتيجة هي ضمان سعادة الإنسان، أمّا لو كان للإنسان اُذن لا يسمع بها، وعين لا يبصر بها، وعقل لا يفكّر به، فلو جاءه جميع الأنبياء والمرسلين بكافّة معاجزهم وكتبهم، لم ينتفع بشيء. وقد ورد في الحديث الشريف، أنّ بعض المسلمين ذكروا شخصاً عند رسول الله (ص) وأثنوا عليه، فقال (ص): "كيف عقل الرجل" فقيل: يارسول الله نحن نسأل عن سعيه وعبادته وخيراته وأنت تسأل عن عقله؟! فقال (ص): "إنّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنّما يرتفع العباد غداً في الدرجات وينالون الزلفى من ربّهم على قدر عقولهم!". "سحق" على وزن (قفل) وهي في الأصل بمعنى طحن الشيء وجعله ناعماً كما تطلق على الملابس القديمة، إلاّ أنّها هنا بمعنى البعد عن رحمة الله، وبناءً على هذا فإنّ مفهوم قوله تعالى: (فسحقاً لأصحاب السعير) هو: فبعداً لأصحاب النار عن رحمة الله، ولأنّ لعنة وغضب الله تعالى يكون توأماً مع التجسيد الخارجي له، فإنّ هذه الجملة بمثابة الدليل على أنّ هذه المجموعة بعيدة عن رحمة الله بشكل كلّي. ملاحظة المقام السامي للعقل: ليست هذه هي المرّة الاُولى التي يشير فيها القرآن الكريم إلى مقام العقل السامي، كما أنّها ليست المرّة الاُولى التي يصرّح فيها بأنّ العامل الأساسي لتعاسة الإنسان ودخوله عوالم الخسران والضياع والعاقبة التعيسة، وسقوطه وفي وحل الذنوب وجهنّم... هو عدم الإستفادة من هذه القوّة الإلهيّة العظيمة، وإغفال هذه القدرة الجبّارة، وعدم إستثمار هذه الجوهرة والنعمة الربّانية، وذلك واضح وبيّن لكل من قرأ القرآن وتدبّر آياته، حيث يلاحظ أنّ هذا الأمر مؤكّد عليه في مناسبات شتّى ... وعلى الرغم من الأكاذيب التي يطلقها البعض بأنّ الدين هو وسيلة لتخدير العقول والإعراض عن أوامرها ومتطلّباتها، فإنّ الإسلام قد وضع أساس معرفة الله تعالى وسلوك طريق السعادة والنجاة، ضمن مسؤولية العقل. لذا فإنّ القرآن الكريم يوجّه نداءاته بصورة مستمرّة وفي كلّ مكان إلى (اُولو الألباب) و (اُولو الأبصار) وأصحاب الفكر من العلماء والمتعمّقين في شؤون المعرفة. ولقد وردت في المصادر الإسلامية روايات كثيرة في هذا الصدد، بشكل لا يمكن إحصاؤه، والطريف أنّ كتاب الكافي المعروف، والذي هو أكثر الكتب اعتباراً في مجال الحديث يحتوي على (أبواب) أو (كتب) أوّلها كتاب باسم كتاب (العقل والجهل) وكلّ من يلاحظ الروايات التي وردت بهذا الخصوص يدرك عمق النظرة الإسلامية إلى هذه المسألة. ونحن هنا نقتطف منها روايتين: جاء في حديث عن الإمام علي (ع) أنّه قال: "هبط جبرائيل على آدم، فقال: ياآدم، إنّي اُمرت أن اُخيّرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع إثنين، فقال له آدم: ياجبرائيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم إنّي قد اخترت العقل، فقال جبرئيل للحياء والدين: إنصرفا ودعاه. فقالا: ياجبرئيل، إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما وعرج)(156). وهذا من أجمل ما يمكن أن يقال في العقل، وطبيعة علاقته مع الحياء والدين، إذ أنّ العقل إذا ما انفصل عن الدين فإنّ الدين سيكون في مهبّ الرياح ويتعرّض إلى الإنحراف بسبب الأهواء وفقدان الموازن الموضوعية الأساسية. أمّا "الحياء" الذي هو المانع والرادع للإنسان عن ارتكاب القبائح والذنوب، فهو الآخر من ثمار شجرة العقل والمعرفة. وهكذا نرى أنّ آدم (ع) كان يتمتّع بدرجة عالية من العقل، حيث أنّه (ع)اختار العقل ممّا خيّر به من الاُمور الثلاث، وبذلك إصطحب الدين والحياء أيضاً. ونقرأ في حديث للإمام الصادق (ع) أنّه قال: "من كان عاقلا كان له دين ومن كان له دين دخل الجنّة"(157). وبناءً على هذا فإنّ الجنّة هي مكان اُولي الألباب، ومن الطبيعي أنّ المقصود من العقل هنا: هو المعرفة الحقيقيّة الراسخة وليس ألاعيب الشياطين التي تلاحظ في أعمال وممارسات السياسيين والظالمين والمستكبرين في عالمنا المعاصر. حيث أنّ ذلك كما يقول الإمام الصادق هو (شبيهة بالعقل، وليست بالعقل)(158). ﴿فَاعْتَرَفُوا﴾ حين لا ينفع الاعتراف ﴿بِذَنبِهِمْ﴾ بكفرهم ﴿ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ بعدا لهم عن رحمة الله وضع الظاهر موضع ضميرهم للتعميم والتعليل.