التّفسير:
من الذي يأتيكم بالمياه الجارية؟
إنّ الآيات أعلاه، التي هي آخر آيات سورة الملك، تبدأ جميعها بكلمة (قل) مخاطبة الرّسول الأكرم (ص)، حيث أنّها تمثّل استمراراً للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول الكفّار، وتعكس هذه الآيات الكريمة جوانب اُخرى من البحث.
يخاطب الباريء عزّوجلّ - في البداية - الأشخاص الذين يرتقبون وفاة رسول الله (ص) وأصحابه، ويتصوّرون أنّ بوفاته سوف يمحى دين الإسلام وينتهي كلّ شيء.
وهذا الشعور كثيراً ما ينتاب الأعداء المخذولين إزاء القيادات القويّة والمؤثّرة، يقول تعالى مخاطباً إيّاهم: (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم).
ورد في بعض الروايات أنّ كفّار مكّة، كانوا دائماً يسبّون الرّسول (ص)والمسلمين، وكانوا يتمنّون موته ظنّاً منهم أنّ رحيله سينهي دعوته كذلك، لذا جاءت الآية أعلاه ردّاً عليهم.
كما جاء شبيه هذا المعنى في قوله تعالى: (أم يقولون شاعر نتربّص به ريب المنون)(170).
لقد كانوا غافلين عن وعد الله سبحانه لرسوله الأمين، بأنّ اسمه سيكون مقترناً مع مبدأ الحقّ الذي لا يعتريه الفناء وإذا جاء أجله فإنّ ذكره لن يندرس، نعم، لقد وعده الله سبحانه بانتصار هذا المبدأ، وأن ترفرف راية هذا الدين على كلّ الدنيا، وحياة الرّسول (ص) أو موته لن يغيّرا من هذه الحقيقة شيئاً.
كما ذكر البعض تفسيراً آخر لهذه الآية وهو: إنّ خطاب الله لرسوله الكريم - الذي يشمل المؤمنين أيضاً - مع ما عليه (ص) من الإيمان الراسخ، كان يعكس الخوف والرجاء معاً في آن واحد.
فكيف بكم أنتم أيّها الكافرون؟ وما الذي تفكّرون به لأنفسكم؟
ولكن التّفسير الأوّل أنسب حسب الظاهر.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ﴾ من المؤمنين ﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ بالتعمير ﴿فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي لا مجير لهم منه.