التّفسير:
قصّة (أصحاب الجنّة):
في الآيات أعلاه يستعرض لنا القرآن الكريم - بما يتناسب مع البحث الذي ورد في الآيات السابقة - قصّة أصحاب الجنّة كنموذج لذوي المال الذين غرقوا في أنانيتهم، فأصابهم الغرور، وتخلّوا عن القيم الإنسانية الخيّرة، وأعماهم حبّ المال عن كثير من الفضائل... فالآيات الكريمة تذكر لنا قصّة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنّة (بستان مثمر) إلاّ أنّهم فقدوها فجأة، وذلك لعتوّهم وغرورهم وكبرهم على فقراء زمانهم.
ويبدو أنّها قصّة معروفة في ذلك الزمان بين الناس، ولهذا السبب استشهد بها القرآن الكريم.
يقول في البداية: (إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة).
لقد تعدّدت الرّوايات في مكان هذه الجنّة، فقيل: إنّها في أرض اليمن بالقرب من صنعاء، وقيل: هي في الحبشة، وهناك قول بأنّها في أرض الشام، وذهب آخرون إلى أنّها في الطائف... إلاّ أنّ المشهور أنّها كانت في أرض اليمن.
وموضوع القصّة هو: أنّ شيخاً مؤمناً طاعناً في السنّ كان له بستان عامر، يأخذ من ثمره كفايته ويوزّع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين، وقد ورثه أولاده بعد وفاته، وقالوا: نحن أحقّ بحصاد ثمار هذا البستان، لأنّ لنا عيالا وأولاداً كثيرين، ولا طاقة لنا بإتّباع نفس الاُسلوب الذي كان أبونا عليه... ولهذا فقد صمّموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعاً، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها، فكانت عاقبتهم كما تحدّثنا الآيات الكريمة عنه... يقول تعالى: (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين)(203).
﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ أخبرناهم بالقحط ﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ هي بستان كانت بقرب صنعاء لرجل صالح وكان يعطي الفقراء منه كثيرا فلما مات قال بنوه إن فعلنا كأبينا لم يسعنا فحلفوا ليقطعوا ثمره صبحا لغيبة المساكين ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾.