التّفسير
لا تدخلوا بُيُوت الناس حَتَّى يؤذنَ لَكُم:
بيّنت هذه الآيات جانباً من أدب المعاشرة، والتعاليم الإسلامية الإِجتماعية التي لها علاقة وثيقة بقضايا عامّة حول حفظ العفّة، أي كيفية الدخول إلى بيوت الناس، وكيفية الإستئذان بالدخول إليها.
حيث تقول أوّلا: (يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى ستستأنسوا وتسلموا على أهلها). وبهذا الترتيب عندما تعزمون على الدخول لابدّ، من إخبار أصحاب البيت بذلك ونيل موافقتهم.
والذي يلفت النظر في هذه الجملة استعمالها "تستأنسوا" ولم تستعمل "تستأذنوا" لأنّ الجملة الثّانية لبيان الإستئذان بالدخول فقط، في الوقت الذي تكون الجملة الأُولى مشتقّة من "أنس" أي الإستئذان المرافق للمحبّة واللطف والمعرفة والإخلاص، وتبيّن كيف يجب أن يكون الإستئذان برفق وأدب وصداقة، بعيداً عن أي حدّة وسوء خلق. ولو تبحرنا في هذه الجملة على هذا الأساس لوجدنا فيها الكثير من الأدب الذي يدور حول هذا الموضوع، وهو يعني ألا تصرخوا وألاّ تقرعوا الباب بقوة، وألا تستأذنوا بعبارات حادّة، وألا تدخلوا حتى يُؤذنَ لكم، فتسلّموا أوّلا سلاماً يستبطن مشاعر السلام والود ورسالة المحبة والصداقة.
وممّا يلفت النظر في هذا الحكم الذي يتصف بأبعاد إنسانية وعاطفية واضحة، مرافقته لجملتين أولاها: (ذلكم خير لكم) وثانيها: (لعلكم تذكرون). وهذا بحدّ ذاته دليل على أن لهذه الأحكام جذوراً في أعماق العواطف والعقول الإنسانية، ولو دقق الإنسان النظر فيها لتذكر أن فيها الخير والصلاح.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ تستأذنوا ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل ثلاثا فإن أذن له دخل وإلا رجع ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي الاستئذان ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الدخول فجأة وبتحية الجاهلية ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي أنزل عليكم هذا إرادة أن تتعظوا وتعملوا به.