إلاّ أنّ المسألة لم تنته إلى هذا الحدّ، حيث يقول تعالى: (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون).
والملاحظ من منطوق الآية أنّ كلّ واحد منهم في الوقت الذي يعترف بذنبه، فإنّه يلقي بأصل الذنب على عاتق الآخر، ويوبّخه بشدّة، وأنّه كان السبب الأساس فيما وصلوا إليه من نتيجة بائسة مؤلمة، وكلّ منهم - أيضاً - يؤكّد أنّه لم يكن غريباً عن الله والعدالة إلى هذا الحدّ.
نعم، هكذا تكون عاقبة كلّ الظالمين عندما يصبحون في قبضة العذاب الإلهي.
ومع الإقرار بالذنب فإنّ كلا منهم يحاول التنصّل ممّا لحق بهم، ويسعى جاهداً لتحويل مسؤولية البؤس والدمار على الآخرين.
ويحتمل أن يكون شعور كلّ منهم - أو غالبيتهم - بالأدوار المحدودة لهم فيما حصل، هو الذي دفع كلا منهم للتخلّي عن مسؤولية ما حصل، وذلك كأن يقترح شخص شيئاً، ويؤيّده الآخر في هذا الإقتراح، ويتبنّى ثالث هذا العمل، ويظهر الرابع رضاه بسكوته... ومن الواضح في مثل هذه الأحوال مساهمة الجميع في هذه الجريمة ومشاركتهم في الذنب.
﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ فبعض يلوم من أشار بذلك وبعض يلوم من رضي به.