وفي آخر آية - مورد البحث - يوجّه الباريء عزّوجلّ خطابه المملوء بالحبّ والمودّة والإعتزاز إلى أهل الجنّة بقوله: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية).
وهكذا كانت هذه النعمة العظيمة التي منحها الله لهؤلاء المتقين جزاء أعمالهم الصالحة التي ادّخروها ليوم كان فيه الحساب الحقّ، وأرسلوها سلفاً أمامهم، وإنّ الأعمال الخيّرة والمحدودة هي التي أثمرت هذه الثمار الكبيرة حيث ظلّ الرحمة الإلهية واللطف الربّاني.
ملاحظات
1 - تفسير آخر لكلمة (العرش)
جاء في حديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "حملة العرش - والعرش العلم - ثمانية، أربعة منّا، وأربعة ممّن شاء الله"(249).
وجاء أيضاً في حديث آخر لأمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "فالذين يحملون العرش، هم العلماء، الذين حمّلهم الله علمه"(250).
ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنّه قال: "العرش ليس هو الله، والعرش اسم علم وقدرة"(251).
إنّ ما يستفاد من هذه الأحاديث - بشكل عام - أنّ للعرش تفسيراً آخر بالإضافة إلى التّفسير السابق الذي ذكرناه سابقاً - وهو (صفات الله) - صفات مثل (العلم) و (القدرة)، وبناءً على هذا، فإنّ حملة العرش الإلهي هم حملة علمه، وكلّما كان الإنسان أو الملك أكثر علماً، كان له سهم أكبر في حمل العرش العظيم.
ومن هنا فإنّ هذه الحقيقة تتبلور بصورة أفضل وهي: أنّ العرش ليس تختاً جسمانياً يشبه تخوت السلاطين، بل له معان عديدة كنائية مختلفة إذا استعمل منسوباً إلى الله تعالى.
2 - مقام الإمام علي
(ع) وشيعته
جاء في روايات عديدة أنّ الآية: (فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه...) نزلت في حقّ الإمام علي (ع) وشيعته(252).
3 - جواب على سؤال
والسؤال المطروح هو: هل أنّ دعوة المؤمنين لأهل المحشر لقراءة كتاب حسابهم وصحيفة أعمالهم - طبقاً لما جاء في الآية الكريمة: (فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه) - تعني أنّ صحيفة أعمالهم خالية من أي ذنب؟
وفي مقام الجواب يمكن أن نستفيد من بعض الأحاديث منها حديث عن رسول الله (ص) حيث يقول: "يدني الله العبد يوم القيامة، فيقرره بذنوبه كلّها، حتى إذا راى أنّه قد هلك قال اللّه تعالى: إنّي استرتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثمّ يعطى كتاب حسناته بيمينه"(253).
وقال البعض أيضاً: إنّ الله تعالى يبدّل سيّئات المؤمنين في ذلك اليوم إلى (حسنات) وبذلك لا تبدو أي نقطة سوداء في صحائف أعمالهم.
﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ أكلا وشربا ﴿هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ﴾ قدمتم من الخير ﴿فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ أيام الدنيا الماضية.