لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(هلك عنّي سلطانيه) فليست أموالي لم تسعفني في هذه الشدّة، بل أنّ قدرتي ومقامي وسلطتي هي الاُخرى هلكت وزالت عنّي. وخلاصة الأمر: إنّ الأموال والمقام والسلطان والقوّة... كلّها لم تفدني ولم تدفع عنّي ما أنا ملاقيه من عقاب على ما أسرفت في السابق، وقد وقفت بين يدي محكمة العدل الإلهي، وأنا لا أملك أي قوّة تنفعني في هذا اليوم، فقد ذهبت قدرتي، وقطع أملي من كلّ شيء، وتعطّلت بي الأسباب. وهكذا يكون المجرمون في نهاية الذلّ والخزي والندم، ولات ساعة مندم. اعتبر البعض معنى الـ (سلطان) هنا هو الدليل والبرهان الذي يكون عاملا في الإنتصار، وبذلك يكون تفسير الآية، أنّ المذنب يقول في ذلك اليوم: إنّي لا أملك أي دليل وحجّة أستطيع بها تبرير أعمالي في حضرة الباريء عزّوجلّ. وقيل أيضاً أنّ المراد من (السلطان) هنا ليس السلطة الحكومية، ذلك لأنّ الداخلين إلى جهنّم ليسوا جميعاً سلاطين أو اُمراء، بل إنّ المراد هو سلطة الإنسان على نفسه وحياته وإرادته، ولكن بما أنّ الكثير من أهل النار كانوا يتمتعون بسلطة ونفوذ في عالم الدنيا، أو أنّهم كانوا من أصحاب الأموال... لذا يمكن إعتبار وجهة النظر هذه صحيحة حسب الظاهر. ملاحظة بعض القصص المثيرة: نقلت في هذا المجال قصص كثيرة تؤكّد على المفاهيم العامّة التي احتوتها الآيات الكريمة أعلاه، كموضع شاهد وعبرة وتأييد لما ذهبت إليه الآيات المباركات، لتكون درساً لاُولئك الذين جعلوا (المال والسلطان) همّهم الأوّل، وانغمسوا حتّى الأذقان في الغفلة والغرور والذنوب من أجلهما، ومن جملتها ما يلي: 1 - نقل في (سفينة البحار) عن كتاب (النصائح) ما نصّه: (عندما اشتدّ مرض هارون الرشيد في خراسان أمر بإحضار طبيب من طوس، ثمّ أوصى أن يعرض إدراره مع إدرار قسم من المرضى والأصحاء على الطبيب، ففحص الطبيب قناني الإدرار الواحدة بعد الاُخرى، حتّى وصل إلى القنينة التي فيها إدرار هارون الرشيد، وبدون أن يعلم من صاحب إدرار هذه القنينة قال: قولوا لصاحب هذه القنينة أن يوصي، لأنّ قواه قد انهدّت وبنيته قد هدمت، فعند سماع هارون هذا الكلام يئس من حياته، وتلا هذه الأبيات الشعرية: إنّ الطبيب بطبّه ودوائه لا يستطيع دفاع نَحْب قد أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يبرىء مثله فيما مضى وفي هذه الأثناء سمع الناس يتداولون خبر موته، ولكي يبطل مفعول هذه الإشاعة، أمر باستحضار دابة، وطلب أن يركب عليها، وعندما امتطى الدابة ضعفت أرجلها عن حمله، قال: أنزلوني، فإنّ الذي أشاع هذه الشائعة قد صدق. ثمّ أمر بجلب أكفان له، واختار كفناً منها نال إعجابه، وقال احضروا لي قبراً بالقرب من فراشي هذا، ثمّ نظر إلى قبره، وتلا هذه الآيات: (ما أغنى عنّى ماليه، هلك عنّي سلطانيه)(257). 2 - ونقل - أيضاً - في نفس المصدر عن العالم الكبير (الشيخ البهائي) ما نصّه هكذا: (كان هنالك رجل كثير الحساب لنفسه واسمه (توبة)، حوّل عمره البالغ ستّين عاماً إلى أيّام فكان مجموعها (21500) وعند ذلك قال: ياويلي إذا لم أكن قد أذنبت في اليوم إلاّ ذنباً واحداً فإنّ مجموع ذنوبي الآن يربو على واحد وعشرين ألف ذنب؟ فكيف اُلاقي ربّي بواحد وعشرين ألف ذنب؟ وبينما هو في هذه الحال إذ صرخ صرخة سقط على أثرها على الأرض وسلّم روحه إلى بارئها)(258). 3 - ورد في كتاب "اليتيمة" للثعالبي أنّه لمّا حانت وفاة عضد الدولة لم يتحرّك لسانه إلاّ بهذه الآية "ما أغنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيه". ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾ تسلطي على الناس أو حجتي فيقول الله للزبانية.