لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: القرآن كلام الله قطعاً: بعد الأبحاث التي مرّت بنا في الآيات السابقة حول القيامة وما أعدّه الله سبحانه للمؤمنين والكفّار، يبيّن الباريء عزّوجلّ في هذه الآيات بحثاً وافياً حول القرآن والنبوّة، ليكون البحثان (النبوّة) و (المعاد) كلا منهما مكمّلا للآخر. يقول الراغب في البداية: (فلا اُقسم بما تبصرون وما لا تبصرون). المعروف أنّ كلمة (لا) زائدة وللتأكيد في مثل هذه الموارد، ولكن ذهب البعض إلى أنّ (لا) تعطي معنى النفي أيضاً، ويعني ذلك أنّني لا اُقسم بهذا الأمر، لأنّه أوّلا: لا توجد ضرورة لمثل هذا القسم. وثانياً: يجب أن يكون القسم باسم الله، إلاّ أنّ هذا القول ضعيف، والمناسب هو المعنى الأوّل، إذ ورد في القرآن الكريم قسم باسم الله وبغيره في الكثير من الآيات. جملة (بما تبصرون وما لا تبصرون) لها معنىً واسع، حيث تشمل كلّ ما يراه البشر وما لا يراه، وبعبارة اُخرى تشمل كلّ عالم (الشهود) و (الغيب). وقد ذكرت إحتمالات اُخرى لتفسير هاتين الآيتين، منها: أنّ المقصود من عبارة (بما تبصرون) هو عالم الخلقة، ومن (وما لا تبصرون) هو الخالق عزّوجلّ. وقيل إنّ المقصود بالاُولى هو النعم الظاهرية، وفي الثانية النعم الباطنية. أو أنّ المقصود بهما: البشر والملائكة على التوالي، أو الأجسام والأرواح، أو الدنيا والآخرة. إلاّ أنّ سعة مفهوم هاتين العبارتين يمنع من تحديدهما. وبناء على هذا فإنّ كلّ ما يدخل في دائرة المشاهدة وما هو خارج عنها مشمول للقسم، إلاّ أنّه يستبعد شمولهما للباريء عزّوجلّ، بلحاظ أنّ جعل الخالق مقترناً بالخلق أمر غير مناسب، خصوصاً مع تعبير (ما) الذي جاء في الآية الكريمة والذي يستعمل في الغالب لغير العاقل. ويستفاد ضمناً من هذا التعبير بصورة جيّدة أنّ الاُمور والأشياء التي لا يراها الإنسان كثيرة جدّاً، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة، وهي أنّ المحسوسات التي تحيطنا تشمل دائرة محدودة من الموجودات - والأشياء غير المحسوسة - سواء في مجال الألوان والأصوات والأمواج والمذاقات وغيرها - هي في الواقع أوسع دائرة من الاُمور الحسيّة. فالنجوم التي يمكن رؤيتها في مجموع نصفي الكرة الأرضية بحدود خمسة آلاف نجمة، طبقاً لحسابات علماء الفلك، أمّا النجوم التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة فهي تعدّ بالمليارات. والأمواج الصوتية التي تستطيع اُذن الإنسان سماعها هي أمواج محدودة، أمّا الأمواج الصوتية الاُخرى التي لا تستطيع الاُذن سماعها فتقدّر بالآلاف. وبالنسبة للألوان التي نستطيع رؤيتها فهي سبعة ألوان معروفة، وقد أصبح من المسلّم اليوم وجود ما لا نهاية له من الألوان الاُخرى، كلون ما وراء البنفسجي، وما دون الأحمر، حيث لا يمكن أن تراها أعيننا. أمّا عدد الحيوانات المجهرية التي لا ترى بالعين المجرّدة فهي كثيرة جدّاً إلى حدّ أنّها ملأت جميع العالم، إذ توجد في قطرة الماء أحياناً آلاف الآلاف منها، فما أضيق تفكير من يضع نفسه في إطار المحسوسات المادية فقط، ويبقى جاهلا لاُمور كثيرة لا تستطيع الحواس أن تدركها، أو أنّه ينكرها أحياناً؟ لقد أثبتت الدلائل العقلية والتجريبية أنّ عالم الأرواح عالم أوسع بكثير من عالم أجسامنا، فلماذا نحبس أنفسنا وعقولنا في إطار المحسوسات؟ ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ لا زائدة أو لنفي الحاجة إلى القسم لوضوح الأمر أو لرد ما يخالف المقسم عليه ﴿بِمَا تُبْصِرُونَ﴾.