ثمّ يضيف تعالى: (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون(263) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون).
تنفي هاتان الآيتان ما نسبه المشركون والمخالفون من تهم باطلة لرسول الله(ص) إذ كانوا يقولون أحياناً: إنّه (شاعر) وإنّ هذه الآيات من شعره، كما كانوا يقولون أحياناً: إنّه (كاهن) وإنّ الذي يقوله هو (كهانة) لأنّ الكهنة أشخاص كانوا يتنبّؤن بأسرار الغيب أحياناً، وذلك لإرتباطهم بالجنّ والشياطين، وكانوا يطلقون عن قصد كلاماً مسجعاً وجملا موزونة.
ولأنّ القرآن الكريم أيضاً كان يتنبّأ ويتحدّث عن اُمور غيبية، وإنّ ألفاظه وعباراته لها نظام خاصّ، لذا اتّهم الرّسول (ص) بهذه التّهم، في حين أنّ الفرق بين الإثنين كالفرق بين الأرض والسماء.
لقد نقل البعض في سبب نزول هذه الآية أنّ (أبا جهل) نسب قول الشعر إلى رسول الله (ص)، وأنّ (عقبة) أو (عتبة) هو الذي نسب الكهانة إلى رسولنا الكريم وكذلك الآخرون أيضاً كانوا يردّدون هذه التّهم.
وفي الحقيقة فإنّ للقرآن الكريم ألفاظاً منسجمة، وتعابير ذات نظم جميل تسحر الآذان وتبعث الإطمئنان في الأرواح.
إلاّ أنّ هذا ليس له أي إرتباط مع شعر الشعراء، ولا مع سجع الكاهنين.
الشعر في الغالب وليد الخيال، ومعبّر عن الأحاسيس الجياشة في النفوس، والعواطف الملتهبة، ولهذا فإنّه يجسّد حالة عدم الإستقرار وعدم التوازن صعوداً ونزولا، شدّة وإنخفاضاً، في الوقت الذي نلاحظ أنّ القرآن الكريم، وهو يمثّل قمّة الروعة والجاذبية، فإنّه كتاب إستدلالي ومنطقي في عرضه للمفاهيم، وعقلاني في محتواه، وما فيه من التنبّؤ المستقبلي لا يشكّل قاعدة أساسية للقرآن الكريم، بالإضافة إلى أنّها صادقة جميعاً بخلاف ما عليه تنبّؤ الكهنة.
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ كما زعمتم ﴿قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ إيمانا قليلا تؤمنون.