على كل حال بعد توضيح أهميّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنين تنتقل الآيات إلى ذكر الصفة الصّانية فيضيف تعالى: (والذين في أموالهم حقّ معلوم للسّائل والمحروم) وبهذا سوف يحافظون على ارتباطهم بالخالق من جهة، وعلاقتهم بخلق اللّه من جهة اُخرى.
ويعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من "حقّ المعلوم" هو الزّكاة المفروضة التي فيها المقدار المعين، وموارد صرف ذلك المقدار هو السائل والمحروم، ولكن هذه السورة مكّيه وحكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة، ولو فرض نزوله لم يكن هناك تعيّن للمقدار، ولذا يعتقد البعض أنّ المراد من حقّ المعلوم هو شيء غير الزّكاة والذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين، والشّاهد على هذا ما نقل عن الإمام الصّادق (ع) عندما سئل عن تفسير هذه الآية وهل هذا شيء غير الزّكاة فقال (ع): "هو الرجل يؤتيه اللّه الثروة من المال، فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة والآف والأقل والأكثر، فيصل به رحمه، ويحمل به الكَلّ عن قومه" (4).
والفرق بين "السائل" و"المحروم" هو أنّ السائل يفصح عن حاجته ويسأل، والمحروم هو الذي لا يسأل لتعففه وحيائه، وجاء في حديث عن الإمام الصّادق (ع): "المحروم من يجد المشقّة في كسبه وعمله وهو محارف" (5).
هذا الحديث هو أيضاً يوافق ذلك التّفسير المذكور سلفاً، لأن مثل هؤلاء يكونون متعففين.
في جاء في تفسيرنا هذا في ذيل الآية (19) من سورة الذرايات بحث حول الحقّ المذكور وتفسير السائل والمحروم.
على كلّ، فإنّ هذا العمل له أثره الإجتماعي في مجاهدة الفقر والحرمان من جهة، ومن جهة أُخرى يترك آثاراً خُلقية جيدة على الذين يؤدّون ذلك العمل، وينتزع ما في قلوبهم وأرواحهم من أدران الحرص والبخل وحبّ الدنبا.
الآية الأُخرى أشارت الى الخصوصية الثّالثة لهم فيضيف: (والذين يصدقون بيوم الدين) والخصوصية الرّابعة هي: (والذين هم عن عذاب ربّهم مشفقون).
(إنّ عذاب ربّهم غير مأمون).
إنّهم يؤمنون من جهة بيوم الدين، ومع الإلتفات الى كلمة "يصدقون" وهو فعل مضارع يدل على الإستمرارية، فهذا يعني إنّهم بإستمرار يدركون أنّ في الأمر حساباً وجزاءً، بعض المفسّرين فسّر ذلك المعنى "بالتصديق العملي" أي الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، ولكن الآية ظاهرها الإطلاق، أي أنّها تشمل التصديق العلمي والعملي.
ولكن من الممكن أن هناك من يؤمن بيوم الدين ويرى نفسه ممن لا يعاقب، لذا تقول: (والذين هم من عذاب ربّهم مشفقون) يعني أنّهم يدركون أهمية الأمر، فلا يستكثرون حسناتهم ولا يستصغرون سيئاتهم، ولهذا ورد في الحديث
عن أمير المومنين (ع) وهو ينصح ولده: "بني خف اللّه أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك، وأرج اللّه رجاءً أنّك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك" (6).
وحتى أنّ الرّسول (ص) كان يقول: "لن يدخل الجنّة أحداً عمله".
قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟
قال: "ولا أنا، إلاّ أن يتغمدني اللّه برحمته".
﴿لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ من لا يسأل فيحسب غنيا فيحرم.