التّفسير
أعمال سرابية
تحدثت الآيات السابقة عن نور الله، نور الإيمان والهداية. ولإتمام هذا البحث ولتوضيح المقارنة بين الذين نوّر الله قلوبهم وبين الآخرين تناوَلَتْ هذه الآيات عالَم الكفر والجهل والإلحاد المظلم، وتحدثت عن الكفار والمنافقين الذين وجودهم (ظلمات بعضها فوق بعض) خلافاً للمؤمنين الذين أصبحت حياتهم وأفكارهم (نور على نور).
الكلام في الآية الأُولى عن الذين يبحثون عن الماء في صحراءَ جاقّة حارقة، ولا يجدون غير السراب فيموتون عطشاً، في الوقت الذي عثر فيه المؤمنون على نور الإِيمان، ومنبع الهداية الرائعة، فاستراحوا بجنبها، فتقول أوّلا: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً) ولكن يجد الله عند أعماله (ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب).
"السراب" مشتق من السرب على وزن "حَرْبْ" بمعنى الطريق المنحدر، وتطلق كلمة السراب على لمعان يشاهد في الصحارى والمنحدرات من بعيد وكأنّه ماء، وما هو إلاّ إنعكاسٌ لأشعة الشمس(1).
ويرى البعض أنّ "القيعة" جمع "قاعة"، بمعنى الأرض الواسعة التي لاماء ولا نبات فيها، ويطلق ذلك على الصحاري التي يظهر فيها السراب في معظم الأحيان، إلاّ أنَّ بَعْضَ المفسّرين واللغويين يرون أنّ هذه الكلمة مفردة، وجمعها "قيعان" أو "قيعات"(2).
ورغم عدم وجود الفرق مِنْ حيثُ المعنى، فإنّ الآيَةُ تُوجِبُ أَن تكون هذه الكلمة مفردة، لأَنّها ذكرت السراب مفرداً والسراب الواحد يكون في أرض واحدة طبعاً.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ﴾ التي يحسبونها طاعة نافعة عند الله ﴿كَسَرَابٍ﴾ وهو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس في الظهيرة ﴿بِقِيعَةٍ﴾ بمعنى قاع أو جمعه وهو الأرض المستوية ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء﴾ أي العطشان وخص ليشبه الكافر به في خيبته عند شدة حاجته ﴿حَتَّى إِذَا جَاءهُ﴾ جاء ما حسبه ماء ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ مما حسبه ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ﴾ جزاءه ﴿فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يحاسب الكل في حالة واحدة قيل نزلت في عتبة بن ربيعة التمس الدين في الجاهلية وكفر بالإسلام.