لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبما أنّ هذا التسبيح العام دليل على خلقِهِ تعالى لجميع المخلوقات، وخالقيته دليل على مالكيته للوجود كله، وكذلك دليل على أنَّ كُل ما في الوجود يرجع إليه سبحانه، فتضيف الآية (ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير). كما يحتمل وجود رابطة بين هذه الآية وسابقتها، حيث تحدّثت الآية الأُولى في آخر جملة لها، عن علم الله بأعمال البشر جميعاً وعلمه بالمسبحين له. أمّا هذه الآية فقد أشارت إلى محكمة العدل الإِلهي في الآخرة، وأنّ لله ما في السموات والأرض، وهو الحاكِمُ والقديرُ العادِل في مصيرِ الناس وما في الوجود. مسائل مهمة: 1 - ماذا تعني عبارة (ألم تر) حسبما يراها الكثير من المفسّرين، تَعني: ألم تعلم، حيث التسبيح العام من قبل جميع المخلوقات في العالم لا يمكن ادراكه بالعين، بل بالقلب والعقل. ولكونِ هذهِ القضية واضحةً جِداً وكأنّها ترى بالعين المجرّدة، استخدمت الآيةُ عبارة (ألم تر). كما يجب الإِنتباه إلى أنّه على الرغم من كونِ المخاطَب في هذه الآية النّبي(ص) بالذات، فإنّ عدداً من المفسّرين يرى أنّها تشمل الناس جميعاً، لأنّ ذلك من أساليب القرآن المجيد اتبعها في كثير من آياته. وقال البعض: إنَّ هذا الخطاب خاصّ بالنّبي(ص) في مرحلة الرؤيا والمشاهدة، حيث منحه اللهُ القدرة على مشاهدة تسبيح جميع المخلوقات، وكذلك منح سبحانه وتعالى هذه القدرة لجميع عباده المخلصينَ له المتمسّكين بِهُداه. أمّا بالنسبة لعامّة الناس، فالمسألة تخصّ إدراكَهُم لتسبيح الموجوداتِ عن طريق العقل، وليس بالمشاهدةِ البصريَّةِ(1). 2 - التسبيح العامّ لجميع المخلوقات تحدّثت الآيات المختلفة في القرآن المجيد عن أربع عبادات تمارسها مخلوقات هذا الكون العظيم، هي: التسبيح، والحمد، والسجود، والصلاة، أمّا الآية موضع البحث، فقد تناولت الصلاة والتبسيح. وتحدثت الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد عن السجود العام: (ولله يسجد من في السموات والأرض). أمّا الآية الرّابعة والأربعون من سورة الإِسراء، فقد تحدثت عن التسبيح والحمد من قبل جميع المخلوقات في الوجود كله (وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده) وقدتناولنا حقيقة الحمد والتسبيح العامّين من قبل المخلوقات والتفاسير المختلفة الواردة بهذا الصدد، في تفسيرنا الآية الرّابعة والأربعين من سورة الإسراء، ونذكر هنا ملخصه: هناك تفسيران جديران بالإهتمام، وهما: - 1 - إنّ ذرات هذا العالم كلها - عاقلة أو غير عاقلة - لها نوع من الإدراك والشعور، وهي تسبح في عالَمِها لله وتحمده على الرغم مِن عدم إدراكنا لها. ولهذا التّفسير أدِلَّة قرآنية. 2 - إن القصد من التسبيح والحمد هما ما نعبر عنه بعبارة "لسان حاله" أي نظام الوجود وأسراره المدهشة الكامنة في كلّ مخلوق تتحدّث بصراحة عن عظمة الخالق وعلمه وحكمته التي لا حدود لها، إذْ كُلّ مخلوق جميل، وكلّ أثر فنيّ بديع يثير الدهشة والإعجاب، حتّى أنّ لوحة فنية وقطعة شعرية جميلة، تحمد وتسبّح لِمبدعها. فمن جهة تكشف عن صفاته (بحمدها له) ومن جهة أُخرى تنفي عنه أي عيب أو نقص (فتسبحه). فكيف وهذا الكون العظيم بما فيه من عجائب وغرائب لا تنتهي! (للإطلاع أكثر على ذلك يُراجع تفسير الآية 44 من سورة الإسراء في تفسيرنا هذا). وإذا قلُنا: إنَّ عبارة (يسبّح له من في السموات والأرض) تعني تسبيح كلّ من في السماوات والأرض، ونحدد كلمة "من" بذوي العقول، فإنّ التسبيح يخصّ هنا المعنى الأوّل، فهو تسبيح بوعي وإرادة ولازم هذا القول أن الطيور أيضاً لها شعور، لأنّ كلمة الطيور جاءت بعد حرف "من". ولا عجب في ذلك، لأنّ آيات قرآنية أُخرى قالت بوجود مثل هذا الشعور لدى بعض الطيور (يراجع تفسير الآية 38 من سورة الأنعام). 3 - التسبيح الخاصّ بالطيور: ما السبب في ذكر تسبيحِ الطيور من بين جميع المخلوقات، وخاصّة في حالة بسط جناحيها في السماء؟ المسألة تكمن في أنّ الطيور إضافة إلى تنوُّعها الكبير، تمتاز بصفات خاصّة تجلب نظر كل عاقل إليها، حيث تحلّق هذه الأجسام - وبعضها ثقيل - في السماء خلافاً لقانون الجاذبية، وتطير بسرعة من نقطة إلى أُخرى في الجو، وتركب أمواج الرياح وهي باسطة جناحيها دون أي تعب أو جهد. بشكل يثير الإعجاب. والمثير فيها هو إدراكها لقضايا الأنواء الجوية، ومعلوماتها الدقيقة لِوَضع الأرض الجغرافي - خلالَ سفرِها وهجرتها من قارة إلى أُخرى، حتى أنّ بعضها يُهاجر من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. فهي تمتلك جهاز توجيه خفي عجيب يرشُدها إلى الهدف إيَّان سفرها الطويل، حتى لو تلبّدت السماءُ بالغيوم. وهذه من أكثر الأُمور إثارة للدهشة والعجب، ومن أوضح أدلة التوحيد. طيور الليل بدورها تملك راداراً مدهشاً يخبرها حين الطيران في ظلمة الليل عن كلّ حاجز أمامها، حتى أن بعضها يرى سمكّة تحت الماء، فيخطفها بسرعة البرق، وهذه ميزة مدهشة في هذه الطيور!! وعلى كل حال فإنّ هناك أُموراً عجيبة في الطيور جعلت القرآن المجيد يخصّها بالذكر. 4 - عبارة (كل قد علم صلاته وتسبيحه): نسب عدد من المفسّرين ضمير "علم" إلى كلمة "كلّ"، وبهذا يصبح معنى العبارة السابقة: كلّ من في الأرض والسماء، وكذلك الطيور علم صلاته وتسبيحه. وقال بعض المفسّرين: إنّ ضمير (علم) يعود إلى الله تعالى، أي أنّ الله علم صلاة وتسبيح كلّ منهم. والتّفسير الأوّل يلائم الآية بشكل أفضل. وبهذا الترتيب يعلم كلّ مسبّح لله أُسلوب تسبيحه وطريقته وشروطه وخصائص صلاته. فإذا كان التسبيح بوعي من هذه الكائنات يتّضح جيداً مفهومُ هذا الكلام، أمّا إذا كان بلسان حالها فيكون مفهومه أنّ كلّ واحد منها له نظام خاصّ يُعبِّرُ بشكل من الأشكال عن عظمة الله، وكلّ واحد منها يعكس قدرة الله وحكمته. 5 - ما المقصود بالصلاة؟ قال بعض المفسّرين كالمرحوم "الطبرسي" في مجمع البيان، و"الآلوسي" في روح البيان: إنّ الصلاة هي الدعاء. وهذا هو مفهومها اللغوي، وبهذا تمارس جميع المخلوقات في الأرض والسماء الدعاء إلى الله بلسان حالها أو مقالها وتسأله الرحمة، لأنّه أرحم الراحمين، وأنّه سبحانه وتعالى يمنّ عليها برحمته كُلاً بحسب قابليته. غاية الأمر إنّهم جميعاً يعلمون حاجتهم ومطلبهم وما ينبغي أن يدعون، وإضافة إلى ذلك - وفق الآيات التي أشرنا إليها سابقاً - فهم خاضعون لعظمة الله، وقد سَلَّمُوا بقوانين الخلق، ويُردِّدون من الأعماق الثناء على صفاتِهِ الكاملة سبحانَه وتعالى، ونفي كلّ نقص عنه جَلّ اسمُه المقَدّس. وبهذا الشكل تتمّ العبادات الأربع "الحمد" و"التسبيح" و"الدعاء" و"السّجود". ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ على الحقيقة لا يشاركه فيه غيره ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ المرجع.