ثمّ قالوا: (وأنّا لا ندري أشرٌّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً).
أي مع كل هذا فإنّنا لا ندري أكان هذا المنع من استراق السمع دليل على مكيدة تراد بأهل الأرض، أم أراد اللّه بذلك المنع أن يهديهم، وبعبارة أُخرى أنّنا لا ندري هل هذه هو مقدمة لنزول البلاء والعذاب من اللّه، أم مقدمة لهدايتهم، ولكن لا يخفى على مؤمني الجن أنّ المنع من استراق السمع الذي تزامن مع ظهور نبيّنا الأكرم (ص) هو مقدمة لهداية البشرية، وانحلال جهاز الكهانة والخرافات الأُخرى، وليس هذا إلاّ إنتهاءً لعصر الظلام، وابتداء عصر النّور.
ومع هذا، فإنّ الجن ولعلاقتهم الخاصّة بمسألة استراق السمع لم يكونوا يصدقون بما في ذلك المنع من خير وبركة، وإلاّ فمن الواضح أنّ الكهنة في العصر الجاهلي كانوا يستغلون هذا العمل في تضليل الناس.
والجدير بالذكر أنّ مؤمني الجنّ صرّحوا بالفاعل لإرادة الهداية فنسبوه إلى اللّه، وجعلوا فاعل الشرّ مجهولاً، وهذا إشارة إلى أنّ ما يأتي من اللّه فهو خير، وما يصدر من الناس فهو الشرّ وفساد إذا ما أساءوا التصرف بالنعم الإلهية، ثمّ إنّ المفروض أن يذكر لفظ "الخير" في مقابل "الشرّ"، ولكن بما أنّ الخير هنا تعني الرّشد والهداية، لذا اكتفى بذكر المصداق فقط.
﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ يمنع الاستراق ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ خيرا.