التفسير:
اللّه عالم الغيب:
لقد تبيّن في الآيات السابقة حقيقة أنّ العصاة يبقون على عنادهم واستهزائهم حتى يأتي وعد اللّه بالعذاب، وهنا يطرح السؤال، وهو: متى يتحقق وعد اللّه؟ وقد بيّن المفسّرون سبب نزول الآية، وذكروا أنّ بعض المشركين كالنضر بن الحارث سألوا عن وعد اللّه بعد نزول هذه الآيات أيضاً، وقد أجاب القرآن على ذلك فقال: (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربّي أمداً).
هذا العلم يخص ذاته المقدسة تعالى شأنه، وأراد أن يبقى مكتوماً حتى عن عباده المؤمنين، ليتحقق الإختبار الإلهي للبشرية، وإلاّ فلم يؤثر الإختبار.
"أمد": على وزن (صمد) وتعني الزمان، وعلى ما يقوله الراغب في مفرداته: إنّ هناك اختلافاً بين الزمان والأمد، فالزمان يشمل الإبتداء والإنتهاء، وأمّا الأمد فإنّها الغاية التي ينتهي إليها.
وقيل أيضاً بتقارب المعنى في الأمد والأبد مع اختلاف، وهو أنّ الأبد يراد به المدّة غير المحدودة، وأمّا الأمد فهي المدّة المحدودة وإن طالت.
وعلى كل حال، فإنّنا كثيراً ما نواجه مثل هذه المعاني في آيات القرآن، وعندما يسأل الرّسول (ص) عن يوم القيامة يجيب بأنّه ليس لهم علم بذلك، وأن علمه عند الله، وورد في حديث أنّ جبرئيل (ع) ظهر عند النّبي (ص) على هيئة أعرابي، فسأله عن الساعة، فقال النّبي (ص): "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فأعاد عليه السؤال رافعاً صوته: يا محمّد متى الساعة؟ فقال النّبي (ص): "ويحك، إنّها كائنة فما أعددت لها؟" فقال الأعرابي: لم أعد كثيراً من الصلاة والصيام، ولكن أُحبّ اللّه ورسوله، فقال رسول اللّه (ص): "فأنت مع من أحببت"، فقال أنس (وهو أحد الصحابة): فما فرح المسلمون بشيء كفرحهم بهذا الحديث.(1)
﴿قُلْ إِنْ﴾ ما ﴿أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من العذاب ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾ أجلا بعيدا أي هو كائن قطعا ولا يعلم وقته إلا الله هو.