لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأشارت آخر الآيات - موضع البحث - إلى أبرز صورة وأوضح دليل على التوحيد، وهي مسألة الحياة بصورها المختلفة، فقالت: (والله خلق كل دابّة من ماء) أي أنّ أصلها جميعاً من ماء، ومع هذا فلها صور مختلفة (فمنهم من يمشي على بطنه) كالزواحف. (ومنهم من يمشي على رجلين) كالإنسان والطيور (ومنهم من يمشي على أربع) كالدواب. وليس الخلق محدداً بهذِهِ المخلوقات، فالحياة لها صور أُخرى متعددةٌ بشكل كبير، سواءَ كانت أحياء بحرية أم حشرات بأنواعها المتعددة التي تبلغ آلاف الأنواع، لهذا قالت الآية في الختام (يخلق اللّه ما يشاء إن الله على كل شيء قدير). بحوث 1 - ماذا يعني الماء هنا؟ وإلى أي نوع من الماء أشارت الآية موضع البحث؟ للمفسِّرين بهذا الصدد ثلاثةُ آراء: 1 - يقصد بالماء النطفة، وقد اختار الكثير من المفسّرين هذا المعنى، وقد أشارت إليه بعض الأحاديث. وهناك مشكلة تواجه هذا التّفسير، إذْ أنَّ الاحياء جميعاً لم تخلق من ماء النطفة، فمنها أحياء مجهرية ذات خلّية واحدة، وأُخرى تخلق من انقسام الخلايا وليس من النطفة إلاّ أن يقال بالنسبة للحكم أعلاه: إنّ المراد هو الجانب النوعي وليس عاماً. 2 - والتّفسير الثّاني يقول: إنَّ المقصود هنا ظهور أوّل مخلوق، فقد ذكرت بعض الأحاديث أنَّ أوّل ما خلق الله الماء، ثمّ خلق الإنسان من الماء. وينسجم هذا مع النظريات الجديدة القائلة: إنَّ أوّل عنصر حي ظهر في البحار. وهذه ظاهرة سادت أعماقَ البحار وسواحلها. (وطبيعي فإنّ القدرة التي خلقت هذا الموجود الحيّ بجميع تعقيداته ورعته في المراحل البعدية، هي قدرة أسمى من الطبيعة، أي إرادة الله تعالى). 3 - آخر تفسير لخلقِ الأحياءِ مِنَ الماءِ، هو أنَّ الماءَ يشكِّل حالياً أساسَ تكوينها، وأكبر نسبة من بنائها، ولا يمكن للأحياء أن تواصل حياتها دون الماء. وطبيعي أن لا نجد تناقضاً بين هذه التفاسير، لكنَّ التّفسيرين الأوّل والثّاني أقرب إلى الصواب على ما يبدو(5). 2 - جواب على استفسار يطرح هنا سؤال يقول: إنَّ الحيوانات لا تحدد بهذه الأنواع الثلاثة (الزواحف وثنائية الأرجل ورُباعيتها) إذ أنّ هناك دوابّاً لها أكثر من أربع أرجل؟ والجواب عنه يكمن في الآية ذاتها، أي في قولِه تعالى (يخلق الله ما يشاء) فهي تتناول الحيواناتِ كافّة، مضافاً إلى أن أهم الحيوانات التي يستخدمها الإنسان، هي هذه الأنواع الثلاثة. ويرى البعض أنّ الأحياء التي لها أكثر من أربع أرْجُل، تعتمد على أربع منها، والباقي منها سواعد مساعدة لها(6) (7). 3 - صور الحياة المختلفة: لا شك أنّ الحياة تعتبر أعجب ظاهرة في العالم، ذلك السرّ الذي لم يقدر العلماء على فكّ رموزه حتّى الآن، فالجميع يقول: إنَّ الأحياء خلقت من مادّة لا حياة فيها، إلاّ أنّه لا أَحَدَ يعلم كيف حدثت هذه الطفرة وفي أيّ ظرف، إذْ لم يشهد أيّ مختبر تبدُّلَ موجود عديم الحياة إلى آخر حي، على الرغم من انشغال الآلاف من العلماء طوال سنين عديدة في التفكير بذلك، وإجراء تجارب مُختبرية يخطئها الحصر. وهناك خيال من بعيد يتراءى للعلماء في هذا المجال، ولكنّه مجرّد خيال وشبح، فانّ العلم البشري عاجز عن كشف أسرار الحياة مَع تقدّمِه الهائل، وذلك لتعقد هذه الأسرار بدرجة كبيرة. وفي الظروف السائدة تولّد الأحياء من أحياء أخرى، ولا يولد أيُّ حيّ من غير حيّ. ولكن المؤكّد أن هذا الحال لم يكن كذلك في الماضي البعيد. أو بعبارة أُخرى: أنّ الحياةُ تملك تاريخاً لظهورها. ولكن كيف وتحت أية شروط؟ إنّ ذلك لغز لم تتضح حقيقته بعدُ، والأعجب من ذلك تنوع الحياةِ في هذه الصور الكاملة، تبدأ من الأحياء المجهرية وحيدة الخلية حتى تصل إلى الحيتان العظيمة التي يتجاوز طولُ الواحدة منها الثلاثين متراً، وتبدو إحداها كأنّها جبل من لحم طائف في المحيط. ومن مئات الآلاف من الحشرات المختلفة إلى الآف من الطيور الجميلة، كلّ له عالمه الخاصّ به وأسرارُهُ الذاتية. وتشغل كتب علم الحيوان اليوم حيّزاً كبيراً من مكتبات العالم، ويستعرض مؤلفوها جوانب من أسرار هذه الأحياء، خاصّة الأحياء البحرية. والبحر دوماً تكمن فيه الأسرار التي ما تزالُ معلوماتُنا قاصرة عن استكناهها، على الرغم من سِعة تطوّرنا العلميِّ وعُمقِه، حقّاً الله اكبر، خلق كلّ هذه الأحياء، ومنحها ما تحتاج إليه، فما أعظم قدرته وعلمه! سبحانه! كيف وضع كلّ واحد منها في ظروف مناسبة له، ووفّر غذاءه وما يحتاج إليه، والأعجب من ذلك خلقه سبحانه وتعالى جميع هذه الكائناتِ، من ماء وقليل من تراب. ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ حيوان يدب على الأرض ﴿مِن مَّاء﴾ من نطفة على التغليب إذ منها ما لا يتولد عن النطفة أو من نوع الماء هو جزء مادته ﴿فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ كالحية ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالإنس والطير ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالنعم والوحش وتذكير الضمير ولفظ من لتغليب العقلاء ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء﴾ من حيوان وغيره على اختلاف الصور والطبائع بمقتضى حكمته ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيخلق ما يشاء.