(ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر، إن هذا إلاّ قول البشر)، بهذه الأقوال يظهر عداءه للقرآن المجيد، وذلك بعد تفكره الشيطاني، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري، وإذا أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب، وسحر القرآن الذي يسحر القلوب كما في قولته، وما كان للقرآن من شبه بسحر الساحرين، بل إنّه كلام منطقي وموزون، وهذا هو دليل على نزول الوحي به، وليس هو بكلام البشر، بل صدر من عالم ما وراء الطبيعة من علم اللّه اللامتناهي، الذي جمع في انسجامه واستحكامه كلّ المحاسن.
"عبس": يعبس عبوساً، والعبوس الذي يقبض وجهه.
"بَسَر": من (البسور) وتعني أحياناً العجلة في إتمام العمل الذي لو يحن حان وقته، وأحياناً بمعنى قبض الوجه وتغيره، والمعنى الثّاني يناسب العبس، وعلى المعنى الأوّل يكون إشارة إلى اتّخاذ القرار العاجل في الصاق ما لا يليق بالقرآن المجيد.
"يؤثر": من (الأثر)، وهو ما يروى عن الماضين ممّا بقي من الآثار، وقيل من "الإيثار" بمعنى الترجيح والتقديم.
وممّا يؤيد المعنى الأوّل أنّ الوليد يقول: إنّه سحر يروى ويتعلم من السحرة.
وعلى المعنى الثّاني فإنّه يقول: سحر تؤثر حلاوته في قلوب الناس وبالتالي فإنّ الناس يرجحونه على غيره.
على كلّ حال هو إقرار ضمني بإعجاز القرآن.
وليس للقرآن أي علاقة وتشبيه بأعمال السحرة، فهو كلامٌ رصين عميق المعاني وجذاب لا نظير له كما يقول الوليد، فإنّه ليس من كلام البشر، وإن كان كذلك لكانوا قد أتوا بمثله، وهذا ما دعا إليه القرآن كراراً، فلم يستطع أحدٌ من بلغاء العرب أن يأتي بمثله، بل سورة من مثله، وهذه هي معجزة.
﴿إِنْ﴾ ما ﴿هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ لم يعطف على ما قبله لأنه كالتأكيد.