التفسير:
قسماً بيوم القيامة والنفس اللوامة:
تبدأ هذه السورة بقَسَمَين غزيرين بالمعاني، فيقول تعالى: (لا أُقسم بيوم القيامة ولا أُقسم بالنفس اللوامة) وهناك أقوال للمفسّرين في ذلك، فقيل أنّ (لا) زائدة للتأكيد وأنّها لا تنفي القسم، بل تؤكّده، وقيل وربّما نافية، والغاية في ذلك هو أن يقول لا أقسم بذلك لأهمية هذا الموضوع (كالقول لا أقسم بحياتك لأنّها أعلى من القسم).
وأخذ أغلب المفسّرين بالتّفسير الأوّل، ولكن البعض الآخر بالتّفسير الثّاني حيث قالوا إنّ (لا) الزائدة لا تأتي في أوّل الكلام بل في وسطه، والأوّل هو الأصح ظاهراً.
لأنّ القرآن الكريم قد أقسم بأُمور هي أهم من القيامة، كالقسم بذات اللّه المقدّسة، لذا ليس هناك دليل على عدم القسم هنا بيوم القيامة، وهناك مثال لإتّخاذ لا الزائدة في أوّل الكلام، وهو ما ورد في أشعار "امريء القيس" حيث استعمل "لا" الزائدة في بداية قصائده الشعرية لا وأبيك ابنة العامر لا يدعي القوم أني أفر ولكن ما نعتقده أنّ البحث ليس مهمّاً حول ما إذا كانت (لا) نافية أو زائدة، وذلك لأنّ نتيجة القولين هي واحدة وهي بيان أهمية الموضوع الذي أقسم لأجله.
المهم أنّ نرى ما هي العلاقة والرّابطة الموجودة بين القسمين.
الحقيقة أنّ أحد دلائل وجود "المعاد" هو وجود "محكمة الوجدان" الموجودة أعماق الإنسان، والتي تنشط وتسر عند الإقدام لإنجاز عمل صالح، وبهذه الطريقة تثبت صاحبها وتكافئه، وعند ارتكاب الأعمال السيئة والرذيلة فإنّها سوف تقوم بتقريع صاحبها وتأنّبه وتعذبه إلى حدّ أنّه قد يقدم على الإنتحار للتخلص ممّا يمرّ فيه من عذاب الضمير.
وفي الحقيقة أنّ الضمير هو الذي أصدر حكم الإعدام، وتمّ تنفيذ ذلك بنفسه، إنّ دوي النفس اللوامة في وجود الإنسان واسع جدّاً، وهي قابلة للتمعن والمطالعة في كلّ الأحوال وفي بحث الملاحظات نشير إلى ذلك بشكل واسع.
عندما يكون (العالم الصغير) أي وجود الإنسان محكمة في قلبه، فكيف يمكن للعالم الكبير أن لا يملك محكمة عدل عظمى؟
﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ مر تفسيره في سورة الواقعة وغيرها.