ثمّ يستفهم تعالى في الآية الأُخرى للتوبيخ فيضيف: (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين أن نسوّي بنانه).
ورد في رواية أنّ أحد المشركين وهو "عدي بن أبي ربيعة" كان جاراً للنّبي (ص) فسأل النّبي عن أمر القيامة فأخبره به، فقال عدي: لو عاينت ذلك اليوم لم اُصدقك، أوَ يَجمع اللّه هذه العظام؟ فنزلت هذه الآيات وأجابتهُ على ذلك، ولذا قال فيه النّبي (ص) "اللّهم اكفني شر جاري سوء" (2).
وهناك نظائر لهذا المعنى في الآيات القرآنية الاُخرى، منها الآية (78) من سورة (يس) حيث إنّ منكراً من منكري المعاد كانت بيده عظاماً، فقال للنّبي (ص): (من يحيى العظام وهي رميم) ؟
والتعبير بكلمة "يحسب" التي هي من الحسبان وتعني الظن، إشارة إلى أنّ المنكرين لا يؤمنون بما يقولون، بل يعتمدون على ما يظنون من الوهم.
ولكن نرى أنّه قد اعتمد على العظام خاصّة، وهذا لكون دوام بقاء العظام أكثر من غيرها من أجزاء الجسد، ولذا تكون اعادتها تكون ترباً متاثراً بعيداً في نظر عديمي الإيمان.
ثمّ إنّ العظام من الأركان المهمّة في بدن الإنسان، لأنّها تشكل أعمدة البدن، وكلّ الحركات والتغيرات المهمّة الحاصلة في البدن وكذلك فعاليات المختلفة تتمّ بواسطة العظام، وكثرة وتنوع أشكال ومقاييس العظام في جسم الإنسان من عجائب الخلقة الإلهية، تتّضح أهميتها عندما تتعطل فقرة واحدة من فقرات الظهر عن العمل وتسبب في شلّ حركة البدن.
"البنان": أطراف الأصابع، وقيل الأصابع، وفي المعنيين إشارة إلى أنّ اللّه تعالى ليس القادر على جمع العظام وإرجاعها إلى صورتها الأُولى فحسب، بل إنّه تعالى يسوي العظام الصغيرة والظريفة والدقيقة للأصابع على ما كانت عليها في الخلق الأوّل، والأعجب من ذلك يمكنهُ تعالى اعادة بصمات الأصابع كما كانت عليه أيضاً.
ويمكن أن يكون ذلك إشارة لطيفة إلى الخطوط الموجودة في أطراف الأصابع والتي نادراً ما تتساوى هذه الخطوط عند شخصين.
وبتعبير آخر إنّ هذ الخطوط الموجودة في أطراف الأصابع هي المعرّفة لشخص الإنسان، ولذا صار بصم الأصابع في عصرنا هذا أمراً علمياً، وبهذه الطريقة يمكن كشف الكثير من السراق والمجرمين، فيكفي في كشف السارق وضعه أصابعه على مقبض الباب، أو زجاجة الغرفة، أو قفل الصندوق وبقاء أثر خطوط أنامله عليها، ثمّ يؤخذ من ذلك الطبع نموذج وتتمّ مقابلته مع آثار أصابع اللصوص السابقين التي أخذت منهم سلفاً، وهكذا يعرف المجرم والسارق.
﴿بَلَى﴾ نجمعها ﴿قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ أنملته التي بها يتم الإصبع بأن نؤلف سلامياته كما كانت مع صغرها فكيف بالكبار.