لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يضيف بعد ذلك : (يسأل أيّان يوم القيامة). أجل، إنّه يستفهم مستنكراً عن وقوع يوم القيامة ويهرب ممّا كُلّف به لكي يفسح لنفسه طريق الفجور أمامه، والجدير بالذكر أنّ سؤالهم هذا عن وقت حدوث القيامة لا يعني أنّهم يؤمنون بأصل القيامة، بل هو مقدّمة لإنكار أصل القيامة كالذي يقول: (فلانٌ سوف يقدم من السفر) وإذا ما تأخر فترة من الزمن يعترض من ينكر قدوم ذلك المسافر فيقول: (متى سوف يأتي المسافر) ؟ ملاحظات 1 - محكمة الضمير أو القيامة الصغرى نستفيد من آيات القرآن المجيد أنّ للنفس الإنسانية ثلاث مراحل: 1 - النفس الامارة: وهي النفس العاصية التي تدعو الإنسان إلى الرذائل والقبائح باستمرار، وتزيّن له الشهوات، وهذا ما أشارت إليه امرأة عزيز مصر حينما نظرت إلى عاقبة أمرها فقالت: (وما ابريء نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء).(3) 2 - النفس اللوامة: وهي ما اُشير إليها في الآيات التي ورد البحث فيها، وهي نفس يقظة وواعية نسبياً، فهي تزل أحياناً لعدم حصولها على حصانة كافية مقابل الذنوب، وتقع في شبك الآثام إلاّ أنّها تستيقظ بعد فترة لتتوب وترجع إلى مسير السعادة، وانحرافها ممكن، إلاّ أنّ ذلك يكون مؤقتاً وليس دائماً ولا يمضي عليها كثير وقت حتى تعود إلى الملامة والتوبة. وهذا هو ما يذكرونه تحت عنوان (الضمير الأخلاقي) ويكون هذا قوياً جدّاً عند بعض الأفراد، وضعيفاً وعاجزاً عند آخرين، ولكن النفس اللوامة لا تموت بكثرة الذنوب عند أي انسان. 3 - النفس المطمئنة: وهي النفس المتكاملة المنتهية إلى مرحلة الإطمئنان والطاعة والمنتهية إلى مقام التقوى والإحساس بالمسؤولية وليس من السهل انحرافها، وهذا ما ورد في وقوله تعالى: (يا أيّها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية) (4). على كل حال فإنّ النفس اللوامة كما قلنا هي كالقيامة الصغرى في داخل الروح والتي تقوم بمحاسبة الإنسان، ولذا تحس أحياناً بالهدوء والإستقرار بعد القيام بالأعمال الصالحة وتمتليء بالسرور والفرح والنشاط. وبالعكس فإنّها تبتلي أحياناً بكابوس الرذائل والجرائم الكبيرة وأمواج الغم والحيرة، ويحترق بذلك باطن الإنسان حتى يتنفر من الحياة، وربّما يبلغ ألم الوجدان أنّه يقدم على تسليم نفسه إلى المحاكم القضائية ليرتقي منصة الإعدام لخلاص نفسه من قبضة هذا الكابوس. هذه المحكمة الداخلية العجيبة لها شَبَهٌ عجيب بمحكمة القيامة. 1 - إنّ القاضي والشاهد والمنفذ للأحكام واحد، كما في يوم القيامة: (عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين العبادك) (5). 2 - إنّ هذه المحكمة ترفض كلّ توصية ورشوة وواسطة كما هو الحال في محكمة يوم القيامة، فيقول تعالى: (واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) (6). 3 - إنّ محكمة الضمير تحقق وتدقق الملفات المهمّة بأقصر مدّة وتصدر الحكم بأسرع وقت، فلا استئناف في ذلك، ولا إعادة نظر، ولا تحتاج في ذلك شهوراً وسنين، وهذا هو ما نقرأهُ أيضاً في محكمة البعث: (واللّه يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) (7). 4 - مجازاتها وعقوباتها ليست كعقوبات المحاكم الرسمية العالمية، فإنّ شرر النيران تتقد في الوهلة الاُولى في أعماق القلب والروح، ثمّ تسري إلى الخارج، فتعذب روح الإنسان أوّلاً، ثمّ تظهر آثارها في الجسم وملامح الوجه وطبيعة النوم والأكل، فيعبّر تعالى عن ذلك في قوله: (نار اللّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة) (8). 5 - عدم إحتياج هذه المحكمة إلى شهود، بل إنّ المعلومات التي يعطيها الإنسان المتهم بنفسه والذي يكون شاهداً على نفسه هي التي تقبل منه، نافعة كانت لهُ أم ضارة! كما تشهد ذرات وجود الإنسان حتى يداه وجلده على أعماله في محكمة البعث فيقول تعالى: (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) (9). وهذا التشبيه العجيب بين المحكمتين دليل آخر على فطرية الإعتقاد بالمعاد، لأنّه كيف يمكن أن يكون في الإنسان الذي يعتبر قطرة صغيرة في محيط الوجود العظيم هكذا حساب ومحاكم مليئة بالرموز والأسرار في حين لا يوجد حساب ومحاكم في هذا العالم الكبير؟ فهذا ما لايصدق. 2 - أسماء القيامة في القرآن المجيد إنّ قسماً مهمّاً من معارف القرآن ومسائله العقائدية يدور حول محور القيامة والبعث، لأنّ له تأثيراً مهمّاً في تربية الإنسان وتكامل سلوكه، ولهذا اليوم العظيم أسماء كثيرة في القرآن، وكل منها تبيّن بعداً من أبعاد ذلك اليوم، يمكن أن تكون هذه الأسماء بحدّ ذاتها انعكاس للكثير من المسائل المعتلقة بهذا الجانب. يقول المرحوم الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء: "إنّ تحت كلّ اسم من هذه الأسماء سرّ خفي، ولكل نعت معنىً مهم لابدّ من السعي الجاد لإدراك هذه المعاني ومعرفة أسرارها، فقد ذكر أكثر من فئة اسم ليوم القيامة يمكن الإستفادة منها أو من أكثرها في القرآن المجيد، كيوم الحسرة، يوم القيامة، يوم المحاسبة، يوم المسألة، يوم الواقعة، يو القارعة، يوم الراجفة، يوم الرادفة، يوم الطلاق، يوم الفراق، يوم الحساب، يوم التناد، يوم العذاب، يوم الفرار، يوم الحق، يوم الحكم، يوم الفصل، يوم الجمع، يوم الدين، يوم تبلى السرائر، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، يوم يفر المرء من أخيه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم التغابن..." (10). ولكن أشهر أسماء ذلك هو اليوم "يوم القيامة" الذي ذكر سبعين مرّة في القرآن، ويحكي عن قيام عامّة العباد والبعث والعظيم للناس، والتوجه إلى ذلك اليوم يدفع الناس لأداء وظائفهم وتكاليفهم في هذه الدنيا. وباعتقادنا أنه يكفي للانتباه من نوم الغفلة والغرور والأخذ بعنان وزمام النفس العاصية وتربيتها وتعليمها أن نتفكر في هذه الأسماء ونتصور حالنا في ذلك اليوم، يوم يحضر الجميع أمام اللّه العظيم وترفع الستائر وتظهر الأسرار وتتزين الجنان وتتوقد جهنم، ويحضر الجميع عند ميزان العدل الإلهي. "اللّهم اجعل لنا عندك ملجأ في ذلك اليوم" ﴿يَسْأَلُ﴾ استهزاء وتكذيبا ﴿أَيَّانَ﴾ متى ﴿يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾.