ثمّ يأمر النّبي بأمور خمسة، أولها الدعوة إلى الصبر والإستقامة فيقول: (فاصبر لحكم ربّك).
أي لا تخف من المشاكل ومن موانع الطريق وكثرة الأعداء وعنادهم واستقم في سيرك على الصراط المستقيم.
والجدير بالإنتباه أنّ الأمر بالصبر (مع ملاحظة (فاء التفريع) في (فاصبر) متفرع على نزول القرآن من الله تعالى، أي إذا كان الله قد أيّدك وحماك فيجب عليك أن تصبر في هذا الطريق، والتعبير بـ (الرب) إشارة لطيفة أُخرى إلى نفس هذا المعنى.
والأمر الثّاني الموجّه للنّبي (صلى الله عليه وآله) هو تحذيره من أي توافق مع المنحرفين، فيقول تعالى: (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً).
في الحقيقة أنّ هذا الحكم هو تأكيد ثان على الحكم الأوّل، لأنّ جموع الأعداء كانوا يسعون بطرق مختلفة للتوافق مع النّبي وجرّه إلى طريق الباطل، كما نقل أنّ "عتبة بن ربيعة" و"الوليد بن المغيرة" قالا لرسول الله (ص): إن تركت دعوتك، فإنّنا سنغنيك حتى ترضى، ونزوجك أجمل بنات العرب، وعروض أُخرى من هذا القبيل، فما كان على الرسول (ص) هنا باعتباره المرشد الحقيقي والعظيم إلاّ أن يقف أمام هذه الوساوس الشيطانية والتهديدات التي صدرت منهم بعد ذلك، ولا يستسلم للترغيب أو الترهيب.
صحيح أنّ النّبي (ص) لم يكن قد استسلم، ولكن هذا التأكيد يشير الى أهمية الموضوع ليكون نموذجاً خالداً لسائر مرشدي طريق الله عزَّ وجلّ رغم أنّ بعض المفسّرين ذهبوا الى أنّ (آثماً) هو عتبة بن ربيعة، و"كفور" هو الوليد بن المغيرة أو أبو جهل، وهم من مشركي العرب، ولكنّ الواضح أنّ كل من (آثم) أي (العاصي) و"كفور" أي (المبالغ في الكفر) له معنى واسع إذ يشمل جميع المجرمين والمشركين وإن كان هؤلاء الثلاثة من مصاديقها الواضحة، والملاحظ أنّ (آثماً) له مفهوم عام يستوعب بذلك (الكفور) أيضاً، لذا فإنّ ذكر (كفور) كذكر الخاص بعد العام للتأكيد.
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ تبليغ رسالته وتحمل أذى قومك ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾.