لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر الآيات - موضع البحث - استثناء لحكم الحجاب، حيث استثنت النساء العجائز والمسنّات من هذا الحكم، فقال: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة). ولهذا الإستثناء شرطان: أولهما: وصول هذه العجائز إلى عمر لا يتوقع أن يتزوجن فيه، أو بعبارة أُخرى: أن يفقدن كلّ جاذبية أُنثوية. وثانيهما: ألا يتزيَّن بزينة بعد رفع حجابهنّ، ويتّضح بذلك أنّه لا ضير في رفع الحجاب بعد إجراء هذين الشرطين. ولهذا استثناهنّ الإسلام من حكم الحجاب. كما أنّ - من الواضح - أنّه لا يقصد برفع العجائز للحجاب اباحة خلع الملابس كلها والتعريّ، بل خلع اللباس الفوقاني فقط. وكما عبّرت عنه بعض الأحاديث بالجلباب والخمار. وجاء في حديث عن الإمام الصادق(ع) في شرح هذه الآية: "الخمار والجلباب"، قلت: بين يدي من كان؟ قال: "بين يدي من كان غير متبرجة بزينة".(2) كما وردت أحاديث أُخرى عن أهل البيت(ع) بهذا المضمون أو ما يقاربه(3). وتضيف الآية في ختامها (وإن يستعففن خير لهن). فالإسلام يرغب في أن تكون المرأة أكثر عفّة وأنقى وأطهر. ولتحذير النساء اللواتي يسئن الإستفادة من هذه الحرية، ويتحدثن أو يتصرفن بأُسلوب لا يليق بشرفهنّ، تقول الآية محذرة إيّاهن: (والله سميع عليم) كلّما تقولونه يسمعه الله، وما تكتمون في قلوبكم أو في أذهانكم يعلمه الله أيضاً. بحثان 1 - فلسفة الإستئذان والمفاسد المترتبة على عدم الإلتزام به لا يكفي اللجوء إلى القوة لاقتلاع جذور المفاسد الإجتماعية كالأعمال المخلة بالشرف، ولا يرجى نتيجة مرضية من العقاب فقط في القضايا الإجتماعية. وإنّما يستوجب اتباع عدة أُمور كالتثقيف الإسلامي، وتعليم آدابه الخلقية، واتباع السبل الصحيحة في القضايا العاطفية. وإلى جانب هذه الأُمور يكون العقاب كعامل لردع المنحرفين عن الطريق السوي. ولهذا السبب بدأت سورة النور - وهي في الواقع سورة العفاف والشرف - بالحديث عن جلد الرجال الزناة والنساء الزانيات، كما تحدثت في نفس الوقت عن تسهيل الزواج ورعاية الحجاب الإسلامي، والنهي عن النظر بلذة وتحريم إتهام الآخرين بشرفهم وناموسهم، وأخيراً استئذان الأبناء حين الدخول إلى غرفة الوالدين. وهذا يدلّ على عدم إغفال الإسلام أي من هذه التفاصيل التي لها علاقة بمسألة العفاف والشرف. وعلى الخدم أن يستأذنوا حين الدخول إلى غرفة الزوجين الخاصّة اللذين يخدمانهما، كذلك يستوجب على الأطفال البالغين عدم الدخول إلى الغرفة المذكورة دون استئذان، وتعليم الأطفال غير البالغين الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالوالدين، أن لا يدخلوا غرفة الوالدين دون استئذان وعلى الأقل في الأوقات الثلاثة التي أشارت إليها الآية "قبل صلوة الفجر وحين الظهر ومن بعد صلوة العشاء". وهذا نوع من الأدب الإسلامي، رغم قلّة الالتزام به مع كلّ الأسف. ورغم بيان القرآن ذلك بصراحة في الآيات السابقة. فإنّه من النادر أن يتناوله الخطباء والكتّاب، ولا يعرف سبب إهمال هذا الحكم القرآني الحاسم؟! ورغم أنّ ظاهر الآية يوجب هذا الحكم، وحتى لو اعتبرناه مستحباً فإنّه ينبغي الحديث عنه، وبحث جزئياته. ورغم تصور بعض السذج بأن الأطفال لا يدركون شيئاً عن هذه الأُمور، وأن خدم البيت لا يهتمون بها، فإنّ الثابت هو حساسية الأطفال بالنسبة لهذه القضية (فكيف بالنسبة للكبار). وقد يؤدي إهمال الوالدين ورؤية الأطفال لمشاهد ممنوعة إلى انحرافهم خلقياً وأحياناً إلى إصابتهم بأمراض نفسية. وقد واجهنا أشخاصاً اعترفوا بأنّهم اثيروا جنسياً، أو أُصيبوا بعقد نفسية لمشاهد جنسية من هذا القبيل وقد شبّت في قلوب البعض منهم نار الحقد على الوالدين، إلى درجة الرغبة في قتلهما، أو الانتحار. كلّ ذلك بسبب الأثر الذي زرعه في نفوسهم إهمال الوالدين، وعدم حيطتهم حين الممارسة الجنسية أومقدماتها. هنا تتضح لنا قيمة وأهمية هذا الحكم الإسلامي الذي بلغه العلماء المعاصرون، بينما جاء به الإسلام قبل أربعة عشر قرناً. وهنا نجد لزاماً علينا توصية الآباء والأُمهات بالجدية في الحياة الزوجية، وتعليم أولادهم الإستئذان حين الدخول إلى غرفتهما، واجتناب كلّ عمل قد يثير الأولاد ويحركهم. ومن هذه الأعمال مبيت الزوجين بغرفة فيها أولاد بالغون، فيجب اجتناب ذلك بالقدر الممكن. وأن يعلما بأنّ هذه الأُمور تؤثّر بشكل كبير في مستقبل أولادهما. وممّا يلفت النظر حديث للرّسول(ص) يقول فيه "إيّاكم وأن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما"(4). 2 - حكم الحجاب بالنسبة للنساء العجائز: لاخلاف في أصل هذا الإستثناء في حكم الحجاب بين علماء المسلمين، لأنّ القرآن صريح في هذا الأمر. إلاّ أنّ هناك أقوالا في خصوصيات هذا الحكم. فبالنسبة لعمر هؤلاء النسوة، والحد الذي يجب أن يبلغنه ليكنَّ من القواعد، هناك أقوال. فبعض الأحاديث الإسلامية تنص على أنّ المراد هو "المسنّة".(5) بينما فسرته أحاديث أخرى بـ "القعُود عن النكاح"(6). ولكن عدد من المفسّرين يرى أنّها تعني "النساء اللواتي لا يطمئن، فيصلن إلى مرحلة عدم الحمل. ولا يرغب أحد في الزواج بهنّ"(7). ويبدو أنّ جميع هذه التعابير تشير إلى واقع محدد، هو بلوغهن سناً لا يتزوجن عادة. وقد يحدث نادراً أن يقدم بعضهن على الزواج في هذا العمر. كما جاءت تعابير مختلفة في الأحاديث الإسلامية حول المقدار من الجسم المسموح بكشفه، لأنّ القرآن الكريم ذكر المسألة بشكل عام (فليس عليهن جناح أن يَضَعْنَ ثيابهن غير متبرجات) ويقصد بهذه الثياب الملابس الفوقانية. وجاء في بعض الأحاديث جواباً على سؤال: أي الثياب يجوز وضعها؟ يجيب الإمام الصادق(ع) "الجلباب" (8). بينما ذكر حديث آخر أنه "الجلباب والخمار"(9). ويبدو أنّ هذه الأحاديث غير متناقضة، وقصدها جواز الكشف عن رؤوسهن، وعدم تغطية الشعر والرقبة والوجه. كما قالت أحاديث أُخرى - وقال فقهاء - بشمول الإستثناء إلى حدّ الرسغ. ولا سند لدينا يسمح بأكثر من ذلك. وعلى كلّ حال، فإنّ ذلك مسموح لهنّ بشرط أن يكنّ (غير متبرجات بزينة) وأن يخفين الزينة التي تحت الحجاب، والتي من الواجب إخفاؤها من قبل جميع النساء، وأن لا يرتدين الملابس التي تنزين بها النساء، والتي تثير انتباه الآخرين. وبتعبير آخر: إنّه مسموح لهنّ بعدم التحجب على أن يخرجن إلى الشارع بلباس محتشم ودون تزين بزينة. وهذا كلّه ليس حكماً إلزامياً. إذ أنّ الأفضل لهن أن يخرجن محجبات كالنساء الأُخريات، كما جاء في آخر الآية المذكورة، إذ هنّ معرضات إلى الزلل - وإن كان نادراً. ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ﴾ أيها الأحرار﴿الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ في جميع الأوقات ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأحرار البلغ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ كرر تأكيدا.