وفي آخر آية من آيات بحثنا هدد الله تعالى المكذبين بيوم القيامة تهديداً شديداً وقال: (ويل يومئذ للمكذبين).
ويل: قيل هو الهلاك، وقيل المراد به العذاب المتنوع، وقيل هو واد في جهنّم مليء بالعذاب، وتستخدم هذه الكلمة عادة فيما يخص الحوادث المؤسفة، وهنا تحكي الآية عن مصير المكذبين المؤلم في ذلك اليوم (7).
المراد بالمكذبين هنا هم المكذبون بيوم القيامة، ونعلم أنّ من لا يؤمن بيوم القيامة ومحكمة العدل الإلهي وبالحساب والجزاء يسهل عليه أن يرتكب الذنوب والظلم والفساد، بعكس الإيمان الراسخ بذلك اليوم فإنّه يهب الإنسان التقوى والإحساس بالمسؤولية.
ملاحظات
1 - محتوى هذه الأيمان
في الآيات السابقة ذكر أولاً بالرياح والأعاصير لما لها من الدور الهام في عالم الخلقة، فإنّها تحرك السحاب لتقودها إلى الأراضي اليابسة والميتة، وتصريفها بعد نزول الأمطار، وتنقل بذور النباتات من مكان إلى آخر وبذلك تنمو الغابات والمراتع، وتلقّح الرياح أيضاً كثيراً من الأزهار والثمار، وتنقل الحرارة والبرودة من مناطق الأرض المختلفة إلى نقاط أُخرى فتساعد بذلك على تعديل المناخ، وتأخذ الهواء الطازج المليء بالأوكسجين من المزارع والصحاري إلى المدن، ثم ترسل الهواء الملوث إلى الصحاري والبحار لغرض التصفية.
ثم إنّها تثير مياه البحار وتجعلها أمواجاً متلاطمة، وتدخل الأوكسجين إلى الموجودات المائية الحيّة، نعم إنّ للرياح والنسيم خدمات عظيمة وحياتية في الكون.
القسم الآخر من الأيمان يتحدث عن منهج نزول الوحي بوسيلة الملائكة، فإنّ في عالم المعنى أيضاً شبهاً مع النسيم في عالم المادة، الملائكة يهبطون بكلمات الوحي على قلوب أنبياء الله تعالى كما تنزل قطرات المطر المباركة فتنمو أزهار وثمار المعارف الإلهية في القلوب.
وعلى هذا الأساس فإنّ الله تعالى قد أقسم بمربّي عالم المادة وبمربّي عالم المعنى، والظريف أنّ جميع هذه الأقسام هو من أجل بيان حقيقة ذلك اليوم الذي تثمر فيه جميع المساعي وهو يوم القيامة، يوم الفصل.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بذلك كرر تجديدا للتهديد وتأكيدا للوعيد.