ثمّ يشير تعالى إلى إحدى النعم الإلهية العظيمة في الأرض، فيضيف: (وجعلنا فيها رواسي شامخات) (8) هذه الجبال التي قاربت بارتفاعها السماء، واتصلت أُصولها بالبعض الآخر قد لزمت الأرض كالدرع من جهة لحفظها من الضغط الداخلي والضغوط الناتجة من الجزر والمد الخارجي، ومن جهة أُخرى تمنع اصطكاك الرياح مع الأرض حيث تمدّ قبضتها في الهواء لتحركه حول نفسها وكذلك تنظم حركة الأعاصير والرياح من جهة ثالثة، ولهذا تكون الجبال باعثة على الإستقرار لأهل الأرض.
وفي آخر الآية إشارة إلى إحدى البركات الأُخرى للجبال فيضيف تعالى: (وأسقيناكم ماء فراتاً) ماءاً سائغاً لكم وباعثاً للحياة، ولحيواناتكم ولبساتينكم.
صحيح أنّ كل ماء مستساغ هو من المطر، ولكن للجبال الدور الأهم في الإيفاء بهذا الغرض، فإنّ كثيراً من العيون والقنوات هي من الجبال، ومصدر الأنهار العظيمة هي من الجليد المتراكم على قمم الجبال، حيث تعتبر من الذخائر المائية المهمّة للإنسان، إنّ قمم الجبال تكون باردة على الدوام لبعدها عن سطح الأرض، ولهذا فأنّها تحافظ على الجليد المتراكم عليها لآجال طويلة حتى تتأثر بشعاع الشمس فيتحول إلى ماء ويتدفق بالتالي على شكل أنهار وجداول.
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ﴾ جبالا ثوابت عوالي ﴿وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا﴾ عذبا.