في المقطع الآخر يوجه الخطاب إلى المجرمين ليحكي عمّا يجري في ذلك اليوم فيقول تعالى: (هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين) جمعنا في هذا اليوم جميع البشر من دون استثناء للحساب، وفصل الخصام في هذه العرصة والمحكمة العظمى.
ويقول: والآن إذا كان لكم قدرة على الفرار من العقاب فاعملوا ما بدا لكم: (فإن كان لكم كيدٌ فكيدون) (9).
هل يمكنكم الهرب من دائرة نفوذ حكومتي؟
أو هل يمكنكم التغلّب على قدرتي؟
أو هل تستطيعون دفع الفدية لتتحرروا؟
أو أنّ لكم القدرة على أن تخدعوا الملائكة الموكلين بكم وبحسابكم؟
اعملوا ما بدا لكم ولكن اعلموا أنّكم لا تستطيعون!!
في الحقيقة إنّه أمرٌ تعجيزي، أي أنّ الإنسان يعجز أمام هذا الأمر، كالذي جاء في شأن القرآن المجيد حيث يقول تعالى: (إن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله).
(كيد): على وزن (صيد) يقول الراغب في مفرداته: هو نوع من الإحتيال، ويكون أحياناً مذموماً، وأحياناً ممدوحاً، وإن كان الغالب استعماله في الذم (كما هو الحال في الآية محل بحثنا).
ومن الطبيعي أنّهم لم يستطيعوا شيئاً في ذلك اليوم، لأنّ ذلك اليوم تنقطع فيه جميع الأسباب والوسائل أمام الإنسان، كما ورد في الآية (166) من سورة البقرة: (وتقطعت بهم الإسباب).
والملاحظ أنّه يقول من جهة: ذلك اليوم (يوم الفصل) ومن جهة أُخرى يقول: ذلك اليوم (يوم الجمع) وكلاهما يتحققان في وقت واحد، فيجمعون أوّلاً في تلك المحكمة العظيمة، ثمّ يفصلون كل حسب عقيدته وعمله في صفوف مختلفة، حتى الذين ينطلقون إلى الجنان فإنّ لهم صفوفاً ودرجات، والمتوجهون جهنّم أيضاً لهم صفوف ودركات مختلفة، نعم إنّ ذلك اليوم هو يوم فصل الحق عن الباطل، والظالم عن المظلوم.
﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾.