لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير دعوة إِلى مقابلة الودّ بالودّ: رغم أنّ بعض المفسّرين يرون أنّ العلاقة بين هذه الآية والآيات السابقة ناشئة عن كون الآيات تلك تناولت موضوع الجهاد والحرب، والآية الأخيرة تدعو المسلمين إِلى أن يواجهوا كل بادرة سليمة من قبل العدو بموقف يناسبها، ولكن هذه الصلة لا تمنع أن تكون الآية الأخيرة حكماً عاماً يشمل كل أقسام تبادل المشاعر الخيرة النّبيلة بين مختلف الأطراف والأفراد، وهذه الآية تأمر المسلمين بمقابلة مشاعر الحبّ بما هو أحسن منها، أو على الأقل بما يساويها أو يكون مثلها، فتقول الآية: (وإِذا حيّيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردّوها). و"التّحية" مشتقة من "الحياة" وتعني الدعاء لدوام حياة الآخرين، سواء كانت التحية بصيغة "السّلام عليكم" أو "حياك الله" أو ما شاكلهما من صيغ التحية والسلام، ومهما تنوعت صيغ التحية بين مختلف الأقوام تكون صيغة "السلام" المصداق الأوضح من كل تلك الأنواع، ولكن بعض الروايات والتفاسير تفيد أنّ مفهوم التحية يشمل - أيضاً - التعامل الودي العملي بين الناس. في تفسير علي بن إِبراهيم عن الباقر والصّادق(عليهما السلام) أن: "المراد بالتّحية في الآية السلام وغيره من البر". وفي "المناقب" أنّ جارية أهدت إِلى الإِمام الحسن(عليه السلام) باقة من الورد فأعتقها، وحين سئل عن ذلك استشهد بقوله تعالى: (وإِذا حيّيتم بتحية فحيوا بأحسن منها). وهكذا يتّضح لنا أنّ الآية هي حكم عام يشمل الردّ على كل أنواع مشاعر الودّ والمحبّة سواء كانت بالقول أو بالعمل - وتبيّن الآية في آخرها أنّ الله يعلم كل شيء، حتى أنواع التحية والسلام والردّ المناسب لها، وأنّه لا يخفى عليه شيء أبداً، حيث تقول: (إِنّ الله كان على كل شيء حسيباً). السّلام، تحية الإِسلام الكبرى: لا يخفى أنّ لكل جماعة إِنسانية تقاليد خاصّة في التحية لدى التلاقي فيما بينهم، بها يتبادلون مشاعر الحبّ والصفاء، والمودة، والتحية كما هي صيغة لفظية يمكن أن تكون - أيضاً - حركة عملية يستدل منها على مشاعر الحبّ والودّ المتبادلة. وقد جاء الإِسلام بكلمة "السّلام" مصطلحاً للتحية بين المسلمين، والآية موضوع البحث مع كونها عامة شاملة لأنواع التحية، لكن المصداق الأوضح والأظهر لها يتجسد في كلمة "السّلام". وبناء على ذلك فإنّ المسلمين مكلّفون بردّ السّلام بأحسن منه، أو على الأقل بما يماثله. وفي آية أُخرى إِشارة واضحة إِلى أنّ السّلام هو التحية حيث تقول: (فإِذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم تحية من عند الله)(1) ويمكن الإِستدلال من هذه الآية على أن عبارة (السلام عليكم" هي في الأصل "سلام الله عليكم" أي ليهبك الله السلامة والأمن، وهكذا يتّضح لنا أنّ السلام يعتبر دلالة على الحبّ والود المتبادل، كما هو دلالة على نبذ الحرب والنزاع والخصام. وقد دلت آيات قرآنية أُخرى على أنّ السّلام هو تحية أهل الجنّة، حيث يقول سبحانه: (أُولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً)(2). ويقول تعالى: (تحيتهم فيها سلام...)(3). كما أنّ آيات قرآنية أُخرى دلت على أنّ السلام أو أي صيغة أُخرى تعادله، كان سائداً بين الأقوام التي سبقت الإِسلام، وهذا هو ما تشير إِليه الآية (25) من سورة الذاريات في قصة إِبراهيم مع الملائكة حيث تقول: (إِذ دخلوا عليه قالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون). والشعر الجاهلي فيه دلائل تثبت أن السلام كان - أيضاً - تحية أهل الجاهلية(4). إِنّ تحية الإِسلام تبرز أهميتها وقيمتها العظيمة، لدى مقارنتها بما لها من نظائر لدى الأُمم والأقوام الاُخرى. النصوص الإِسلامية تؤكد كثيراً على السّلام والتّحية، حيث يروى عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه"(5). كما يروى عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّ الله يقول: "البخيل من يبخل بالسّلام"(6) وعن الإِمام الباقر(عليه السلام): "إِنّ الله يحبّ إِفشاء السلام"(7). وقد رود في الروايات والأحاديث آداب كثيرة للتحية والسلام، منها أنّ السلام يجب أن يشيع بين جميع أبناء المجتمع وأن لا ينحصر في إِطار الأصدقاء والأقارب، فقد روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سئل: أي العمل خير: فأجاب (صلى الله عليه وآله وسلم) : "تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف"(8). كما ورد في الأحاديث أن من آداب التحية أن يسلم الراكب على الراجل، والراكب على دابة غالية الثمن يسلم على من يركب دابة أقل ثمناً، وقد يكون الأمر حثّاً على التزام التواضع، ونهياً عن التكبر أو محاربة له، فالتكبر غالباً ما يستولي على أهل المال والجاه وهذا عكس ما نشاهده في عصرنا حيث يتحتم على الطبقات الدانية من المجتمع أن تبادر الطبقات العليا بالسّلام، وبذلك يضفون على هذا الأمر طابعاً استعبادياً وثنياً، بينما كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أوّل من يبادر الآخرين بالسلام، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يبتدىء بالسلام حتى على الصبية الصغار، وبديهي أنّ هذا الأمر لا ينافي ما ورد في الروايات من حثّ صغار السن على مبادرة كبارهم بالسلام والتحية والإِحترام، لأنّ هذا السلوك يعتبر نوعاً من الآداب الإِنسانية الحميدة، ولا ارتباط له بالتمييز الطبقي. ومن جانب آخر نجد روايات تأمر بعدم السّلام على المرآبين والفاسقين وأمثالهم، ويعتبر هذا الأمر سلاحاً لمحاربة الفساد والربا، أمّا إِذا كان السلام يؤدي إِلى التأثير على المفسد والمنحرف، ويجعله يرتد عن غيه ويترك الفساد والإِنحراف، فلا مانع منه ولا بأس به. ولا يفوتنا هنا أن نوضح أنّ المراد من رد التحية بالأحسن هو أن نعقب السلام بعبارات مثل "ورحمة الله" أو "ورحمة الله وبركاته". ورد في تفسير "الدّر المنثور" أنّ شخصاً أتى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: السّلام عليكم. فاجابة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : وعليك السّلام ورحمة الله. ثمّ جاءه آخر وقال: السّلام عليكم ورحمة الله. فأجابه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته. فجاءه ثالث وقال: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "وعليك" - وعندما سئل عن علّة هذا الجواب القصير، قال: إنّ القرآن يقول: اذا حيّيتم بتحية فحيوا بأحسن منها، ولكنك لم تبق شيئاً"(9). وفى الحقيقة أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ردّ التحية بأحسن منها في الموردين السابقين، أمّا في المورد الثّالث ردّها بالمساوي كلمة "وعليك" تعني أنّ كل ما قلتَه لي مردود عليك. ): ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ ﴾ هي السلام المتعارف شرعا لا الجاهلي وروي هي السلام وغيره من البر ﴿فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ بمثلها ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من تحية وغيرها ﴿حَسِيبًا﴾ محاسبأ.