وتسهم الآية التالية في التوضيح: (إنّما أنت منذر مَن يخشاها).
إنّما تكليفك هو دعوة الناس إلى الدين الحقّ، وإنذار مَنْ لا يأبى بعقاب اُخروي أليم، وما عليك تعيين وقت قيام الساعة.
مع ملاحظة، أنّ الإنذار الموجه في الآية فيمن يخاف ويخشى وعقاب اللّه، هو يشابه الموضوع الذي تناولته الآية (رقم 2) من سورة البقرة: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين).
ويشير البيان القرآني إلى أثر الدافع الذاتي في طلب الحقيقة وتحسس المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان أمام خالقه، فإذا افتقد الإنسان إلى الدافع المحرك فسوف لا يبحث فيما جاءت به كتب السماء، ولا يستقر له شأن في أمر المعاد، بل وحتى لا يستمع لإنذارات الأنبياء والأولياء (ع).
وتأتي آخر آية من السورة لتبيّن أنّ ما تبقى من الوقت لحلول الوعد الحق ليس إلاّ قليلاً: (كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّة أو ضحاها).
فعمر الدنيا وحياة البرزخ من السرعة في الإنقضاء ليكاد يعتقد الناس عند وقوع القيامة، بأنّ كلّ عمر الدنيا والبرزخ ما هو إلاّ سويعات معدودة!
وليس ببعيد... لأنّ عمر الدنيا قصير بذاته، وليس من الصواب أن نقايس بين زمني الدنيا والآخرة، لأنّ الفاني ليس كالباقي.
"عشيّة": العصر.
و"الضحى": وقت انبساط الشمس وامتداد النهار.
وقد نقلت الآيات القرآنية بعض أحاديث المجرمين في ويوم القيامة، فيما يختص بمدّة لبثهم في عالم البرزخ...
فتقول الآية (103) من سورة طه: (يتخافتون بينهم إنْ لبثتم إلاّ عشراً)، و (يقول أمثلهم طريقة إنْ لبثتم إلاّ يوماً).
وتقول الآية (55) من سورة الروم: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة).
واختلاف تقديرات مدّة اللبث، يرجع لإختلاف القائلين، وكّل منهم قد عبّر عن قصر المدّة حسب ما يتصور، والقاسم المشترك لكلّ التقديرات هو أنّ المدّة قصيرة جدّاً ويكفي طرق باب هذا الموضوع بإيقاظ الغافل من خدره.
اللّهمّ! هب لنا الأمن والسلامة في العوالم الثلاث، الدنيا والبرزخ والقيامة...
ياربّ! لا ينجو من عقاب وشدائد يوم القيامة إلاّ مَنْ رحمته بلطفك، فاشملنا بخاصة لطفك ورحمتك...
إلهي! اجعلنا ممن يخاف مقامك وينهى نفسه عن الهوى، ولا تجعل لنا غير الجنّة مأوى...
آمين ربّ العالمين
نهاية سورة النّازعات
﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ يخاف هولها لأنه المنتفع بالإنذار.