لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول ذكروا أنّ مشركاً من أهل مكّة وهو "الحارث بن زيد" كان يعذب أحد المسلمين - ولفترة طويلة - بالتعاون مع أبي جهل، وكان اسم هذا المسلم "عياش بن أبي ربيعة" ولم يكن تعذيبه بسبب جرم إقترفه، بل كان يعذب لمجرّد أنّه آمن بالإِسلام، وبعد هجرة المسلمين إِلى المدينة هاجر "عياش" إِليها، فصادف يوماً "الحارث بن زيد" في إِحدى طرقات المدينة فقتله ظنّاً منه أنّه ما زال عدواً للمسلمين، ولم يكن على علم بأن الحارث كان قد تاب وأسلم، فعلم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الحادث، فنزلت الآية الشّريفة وهي تبيّن حكم مثل هذا القتل الناتج عن الخطأ. التّفسير أحكام القتل النّاتج عن الخطأ: لقد أطلقت الآية السابقة أيدي المسلمين في المنافقين الذين كانوا يشكلون خطراً كبيراً على الإِسلام، وسمحت لهم حتى بقتل أمثال هؤلاء المنافقين، ولكن يتفادياً لاستغلال هذا الحكم استغلا سيئاً، ولسد الطريق أمام الأغراض الشخصية التي قد تدفع صاحبها إِلى قتل إنسان بتهمة أنّه منافق، وأمام أي تساهل في سفك دماء الأبرياء، بيّنت هذه الآية والتي تليها أحكام قتل الخطأ وقتل العمد، لكي يكون المسلمون على غاية الدقّة والحذر في مسألة الدّماء التي تحظى باهتمام بالغ في الإِسلام، تقول الآية الكريمة: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً). هذه الآية تقرر في الواقع حقيقة من الحقائق، فالمؤمن لا يسمح لنفسه إِطلاقاً أن يسفك دماً بريئاً، لأنّ المشاعر الإِيمانية تجعل من الجماعة المؤمنة أعضاء جسد واحد، وهل يقدم عضو في جسد على قطع عضو آخر إلاّ خطأ! من يهذه الحقيقة يتّضح أنّ مرتكب جريمة القتل متهم أوّ في إيمانه. وعبارة "إلاّ خطأً" لا تعني السماح بإرتكاب قتل الخطأ! لأنّ مثل هذا القتل لا يكون عن قرار مسبق، ولا يكون مرتكبه حين الإِرتكاب على علم بخطأه أنّها - إِذن - تقرير لحقيقة عدم إرتكاب المؤمن مثل هذه الجريمة إِلاّ عن خطأ. ثمّ تبيّن الآية الكريمة غرامة قتل الخطأ، وتقسمها إِلى ثلاثة أنواع: فالنّوع الأوّل: هو أن يحرر القاتل عبداً مسلماً، ويدفع الدية عن دم القتيل إِلى أهله إِذا كان القتيل ينتمي إِلى عائلة مسلمة (ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إِلى أهله) فإِذا وهب أهل القتيل الدية وتصدقوا بها له فليس على القاتل أن يدفع شيئاً: (إلاّ أن يصدّقوا...). والنّوع الثّاني: من غرامة قتل الخطأ يكون في حالة ما إِذا كان القتيل مسلماً، ولكن من عائلة معادية للإِسلام ويجب في هذه الحالة عتق عبد مسلم ولا تدفع الدية إِلى أهل القتيل، لأنّ الإِسلام يرفض تعزيز الحالة المالية لأعدائه، بالإِضافة إِلى ذلك فإِنّ الإِسلام قد قطع الصلة بين هذا الفرد وعائلته المعادية للإِسلام، فلا معنى إِذن لجبران الخسارة. أما النّوع الثّالث: من غرامة القتل الناتج عن الخطأ، فيكون في حالة كون القتيل من عائلة غيرمسلمة لكن بينها وبين المسلمين عهداً وميثاقاً، في مثل هذه الحالة أمر بدفع دية القتيل إِلى أهله، كما أمر - أيضاً - بتحرير عبد من العبيد المسلمين احتراماً للعهود والمواثيق تقول الآية: (وإِن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إِلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة...). واختلف المفسّرون في قتيل الحالة الثالثة، هل يجب أن يكون من المسلمين، أم أن الحكم يشمل غيرهم من الكفار الذميين؟ وظاهر الآية والروايات التي وردت في تفسيرها تدل على أنّ المقصود فيها هو القتيل "المسلم". كما اختلف المفسّرون في جواز دفع الدية إِلى أهل القتيل غير المسلمين، حيث أنّ الدية تعتبر جزءاً من الإرث، والكافر لا يرث المسلم، ولكن ظاهر الآية يدل على وجوب دفع الدية إِلى أهل مثل هذا القتيل، وذلك تأكيداً من الإِسلام لاحترامه للعهود والمواثيق. وذهب بعض المفسّرين إِلى أنّ الدية تدفع في هذه الحالة إِلى المسلمين من ورثة القتيل دون الكافرين منهم معتمدين على أنّ الكافر لا يرث المسلم وأنّ الدية هي جزء من الإِرث، وقد وردت إِشارات إِلى هذا المعنى في بعض الروايات أيضاً. بينما ظاهر الآية يدل على أن الورثة ليسوا من المسلمين، وذلك حين تقول: (من قوم بينكم وبينهم ميثاق...) لأن العهود والمواثيق كانت في ذلك الزمان بين المسلمين وبين غيرهم، ولم تكن بين المسلمين أنفسهم - حينذاك - عهود أو مواثيق، (وهنا يجب الإمعان والتدقيق كثيراً من الأمر). وتستطرد الآية في بيان الحكم فتتطرق إِلى أُولئك النفر من المسلمين الذين يرتكبون القتل عن خطأ، ولا يسعهم - لفقرهم - دفع المال دية عن القتيل، كما لا يسعهم شراء عبد لتحرير رقبته غرامة عن إرتكابهم للقتل الخطأ، وتبيّن حكم هؤلاء، وتعلن أنهم يجب أن يصوموا شهرين متتابعين غرامة عن القتل الخطأ يالذي إرتكبوه، بد من الدية وتحرير الرقبة، وقد اعتبرت ذلك نوعاً من تخفيف الجزاء على الذين لا يطيقون الغرامة المالية وتوبة منهم إِلى الله، علماً أنّ جميع أنواع الغرامات التي ذكرت في الآية عن القتل الخطأ، إِنما هي توبة وكفارة للذنب المرتكب في هذا المجال، والله يعلم بخفايا الأُمور وقد أحاط علمه بكل شيء حيث تقول الآية: (توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً). لقد وردت في الآية - موضوع البحث - أُمور عديدة يجدر الإِنتباه إِليها وهي: 1 - ذكرت الآية ثلاثة أنواع من التعويض عند حصول قتل عن خطأ، وكل نوع في حدّ ذاته تعويض عن الخسارة الناجمة عن هذا القتل. فتحرير رقبة عبد مسلم يعتبر تعويضاً عن خسارة إِجتماعية ناتجة عن القتل الواقع على إِنسان مسلم، إِذ بعد أن خسر المجتمع فرداً نافعاً من أفراده بسبب وقوع القتل عليه، حصل على تعويض مماثل وذلك بدخول إنسان نافع آخر بين أفراده عن طريق التحرير. وأمّا التعويض المادي "الدية" فهو مقابل الخسارة المادية اللاحقة بأهل القتيل نتيجة فقدهم إِياه، والحقيقة أن الدية ليست ثمناً لدم القتيل المسلم البريء، لأن دمه لا تعادله قيمة، بل هي - وكما أسلفنا - نوع من التعويض عن خسارة مادية لاحقة بذوي القتيل بسبب فقدانه. وأمّا الخيار الثّالث الوارد في حالة تعذر تقديم التعويض المادي، فيتمثل في صيام شهرين متتابعين يقوم به القاتل، فهو تعويض أخلاقي ومعنوي لخسارة معنوية لحقت بالقاتل نفسه بسبب إرتكابه لحادث قتل، فالكفارة تتحقق في الدرجة الأُولى في تحرير رقبة مؤمنة، فإن عجز القاتل فصيام شهرين متتابعين - ويجب الإِتنباه هنا إِلى أن تحرير العبيد يعتبر بحدّ ذاته عبادة، لما له من أثر معنوي على العبد الذي يتحرر من قيود الرق. 2 - ورود عبارة (إلاّ أن يصدّقوا) بالنسبة إِلى أهل القتيل الذين هم من المسلمين، أي أن يتنازلوا عن "دية" قتيلهم، حيث لم ترد هذه العبارة بالنسبة لغير المسلمين - وسبب ذلك واضح، وهو لأن الأرضية للصفح والعفو متوفرة لدى المسلمين حيال أمثالهم، بينما لا تتوفر مثل هذه الأرضية لدى غير المسلمين تجاه المسلمين، كما أن المسلم يجب أن لا يقبل معروفاً أو منّة من غير المسلم في هذه الحالات. 3 - وممّا يجلب الإِنتباه أنّ الحالة الثالثة الواردة في آية موضوع البحث، قد قدمت كفارة الدية على كفارة التحرير، وهذه الحالة تتناول مسألة القتل الخطأ الواقع على شخص لا ينتمي أهله إِلى الإِسلام، بينما الحالة الأُولى - التي كان القتيل فيها من عائلة إسلامية - تقدمت فيها كفارة التحرير على كفارة الدية. ويمكن الإِستنتاج من هذا التقديم والتأخير أن مسألة دفع الدية في موعد متأخر بالنسبة للمسلمين فيما بينهم، لا تترك أثراً سلبياً عليهم - في الغالب - بينما يلو كان أهل القتيل من غير المسلمين لوجب التعجيل في دفع الدية - أوّ - إِتقاءً للفتنة، ولكي لا يفسّر أهل القتيل وقومه مسألة القتل الحاصلة بأنّها نقض للعهد من جانب المسلمين. 4 - لم تحدد الآية الكريمة مقدار الدية أو مبلغها في أي من الحالات الثلاثة المذكورة، ويستنتج من هذا أن مسألة التحديد هذه إِنّما أوكلت إِلى السنة التي عينت بالفعل مقدارها الكامل بألف مثقال من الذهب، أو بمائة بعير، أو مائتين من البقر، ويمكن أن يكون ثمن هذه الأنواع ما إِذا حصل إتفاق بين طرفي القضية، (وبديهي أن تخصيص الذهب أو نوع من أنواع الماشية دية عن القتل، إِنما هو سنة إِسلامية تستند مبرراتها على الأُمور الطبيعية لا الوضعية المتغيرة بتغير الزمان). 5 - قد يرد هذا الوهم لدى البعض بأنّ القتل الواقع خطأ، يجب أن لا يكون بإِزائه غرامة أو عقوبة، لأن القاتل لم يرتكب جريمة عن عمد أو سبق إِصرار وإِن الخطأ لا عقوبة أو غرامة مالية عليه. وجواب هذا - أو توضيحه - هو أن القتل، دون سواه من الجرائم، تدخل فيه قضية بالغة الأهمية وهي قضية الدم المراق فيها والحياة الإِنسانية التي تسلب عضو من أعضاء المجتمع... ولكي يبيّن الإِسلام إهتمامه الكبير بحياة الأفراد، ويدفع معتنقيه إِلى التزام الحيطة والحذر الدقيقين لعدم التورط في ارتكاب مثل هذه الأخطاء، شدد في مسألة الغرامة والعقوبة حرصاً منه على حياة أفراد المجتمع، ولكي لا يصبح الخطأ عذراً يتوسل به من شاء في إِهدار دماء الأبرياء من الناس. والعبارة الأخيرة من الآية الكريمة التي هي (توبة من الله...) قد تكون إِشارة إِلى أنّ وقوع الخطأ يكون غالباً بسبب التهاون وقلة الحذر، وان الخطأ إِذا يكان كبيراً كالقتل - يجب التعويض عنه أوّ وإِرضاء أهل القتيل لكي تشمل القاتل أو الخاطىء بعد ذلك التوبة الإِلهية. ﴿وَمَا كَانَ﴾ ما صح وما جاز ﴿لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾ بغير حق في حال من الأحوال أو لعلة من العلل ﴿إِلاَّ خَطَئًا﴾ مخطئا أو للخطإ أو إلا قتلا خطأ، أو أريد به النهي والاستثناء منقطع أي لا يقتله لكن قتله خطأ جزاءه ما يذكر، الخطأ أن لا يقصد بفعله قتله ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أي فعليه أو فالواجب في ماله ﴿مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ مؤداة من العاقلة إلى ورثته ﴿إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ﴾ عليهم بالدية بأن يعفو عنها استثناء من وجوب التسليم أي يجب تسليمها إليهم إلا حال تصدقهم أو زمانه ﴿فَإِن كَانَ﴾ القتل ﴿مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ﴾ محاربين ﴿وَهُوَ مْؤْمِنٌ﴾ ولم يعلم قاتله إيمانه ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ فعلى قاتله الكفارة ولا دية لأهله لأنهم حرب ﴿وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ عهد ﴿فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ تلزم عاقلة قاتله ﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً﴾ يلزم قاتله كفارة ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ رقبة ﴿فَصِيَامُ﴾ فعليه صيام ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ ويتحقق التتابع بشهر ويوم من الثاني ﴿تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ﴾ مصدر أو مفعول له أي قبل توبتكم بالكفارة قبولا، أو شرع ذلك للتوبة أي لقبولها ﴿وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا﴾ بخلقه ﴿حَكِيمًا﴾ في تدبيره.