لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ونصل إلى المشهد الثّامن: (وإذا الموءودة سئلت بأىّ ذنب قتلت). "المؤءودة": من (الوأد) على وزن (وعد)، بمعنى دفن البنت حيّة بعد ولادتها. وقيل: الوأد بمعنى الثقل، وتوسع معناه (لما ذُكِر)، لما فيه من دفن البنات في القبر وإلقاء التراب عليهن. وأطلق الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) مفهوم الوأد، ليشمل كّل قطع رحم وقطع مودّة... حينما سُئل الإمام الباقر (ع) عن معنى الآية، قال:"مَنْ قتل في مودّتنا".(2) وفي رواية اُخرى: إنّ الدليل على ذلك هو آية القربى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) (3). ولا شك أنّ التفسير الأوّل ينسجم مع ظاهر الآية، ولكن المفهوم والملاك قابلان للتوسع والشمول. ملاحظات 1 - وأد البنات تعتبر عادة (الوأد) - والتي أشار إليها القرآن الكريم مراراً - من أقبح جرائم وعادات عصر جاهلية ما قبل الإسلام. وإذا كان البعض قد حصرها في قبيلة (كندة) أو بعض القبائل الصغيرة المتناثرة هنا وهناك دون بقية القبائل العربية الاُخرى، فالمسلم به إنّها كانت من الشيوع بحيث تناول القرآن الكريم ذكرها لأكثر من مرّة وبتأكيد شديد. ولكنْ، حتى مع افتراضنا لندرة هذا العمل القبيح، فإنّه من القباحة والشناعة ما يدعونا لبحثه ودراسته... يقول المفسّرون: كانت المرأة في الجاهلية إذا ما حان وقت ولادتها، حفرت حفرة وقعدت على رأسها، فإن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاماً حبسته، وقال شاعرهم مفتخراً: سميتها إذا ولدت (تموت) والقبر صهر ضامن ذميت (4) وثمّة أسباب كثيرة وراء هذه الجريمة البشعة، منها: إحتقار المجتمع الجاهلي للمرأة...وجود الفقر الشديد في تلك الحقبة الزمنية، والمرأة كانت مستهلكة غير منتجة، إضافة لعدم اشتراكها في الغارات التي تقوم بها القبيلة لتوفير لقمة العيش. الخوف من وقع النساء أسرى في شباك الأعداء، نتيجة للمعارك التي كانت دائرة على الدوام بين القبائل، لأنّ في هكذا أسر جرح للشرف وإذلال شديد. وتجمعت هذه الأسباب (بالإضافة لأسباب اُخرى) فأدت إلى ظهور عادة (الوأد) الوحشية بين أفراد القبائل في ذلك العصر القابع تحت ظلام الجهل المقيت. وممّا يؤسف له، إنّ جاهلية القرون الأخيرة قد كررت تلك الممارسات البشعة وبصور اُخرى، حتى وصل ببعض الدول تدّعي التمدن والتحضر لأنّ تقنن وتقرّ (حرية) إشقاط الجنين! نعم، فالحال واحدة... فإذا كان أهل الجاهلية الاُولى يقتلون البنت، فمتمدني هذا العصر يقتلون الأطفال وهم في بطون اُمهاتهم (بنتاً أو ابناً) !! وللحصول على تفاصيل هذا الموضوع، راجع ذيل الآية (59) من سورة النحل. 2 - أهمية المرأة في الإسلام بإمكان أنْ نستشف مدى اهتمام الإسلام بالمرأة وبالدم الإنساني (خصوصاً دم الأبرياء)، من خلال اهتمام الباري جلّ شأنه بمسألة وأد البنات، ويكفي القرآن الكريم دلالة على أنْ قدّم ذكر بحث مسألة الوأد في محكمة العدل الإلهي يوم القيامة على مسألة نشر صحف الأعمال وبقية المسائل الاُخرى، لما فيها من قباحة وشناعة في حق المرأة كإنسانة لها حقّ الحياة كما للرجل من حقّ. 3 - مَنْ الإنسان... المؤءودة أمْ الوائد؟ لو أمعنا النظر في اُسلوب كلام الآية، لرأينا أنّ السؤال سيوجه يوم القيامة إلى الموءودة دون الرائد على الذنب الذي قتلت من أجله، وكأنّ القاتل لا قيمة له حتى يسأل عن قباحة جريمته، بالإضافة إلى الإكتفاء بشهادة المؤءودة لإثبات جريمة الوائد عليه... فالموءودة تعامل يوم القيامة باعتبارها إنسان محترم له حقوقه، والرائد مهمل مهان. ﴿بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ أي بلا ذنب.