وينفي القرآن ما نُسب إلى النبّي (ص): (وما صاحبكم بمجنون).
"الصاحب": هو الملازم والرفيق والجليس، والوصف هذا مضافاً الى أنّه يحكي عن تواضع النّبي (ص) مع جميع الناس... فلم يرغب يوماً في الاستعلاء على أحد منكم، فإنّه قد عاش بينكم حقبة طويلة، وجالسكم، فلمستم عن قرب رجاحة عقله وحسن درايته وأمانته، فكيف تنسبون له الجنون؟!
وكلُّ ما في الأمر إنّه قد جاءكم بعد بعثته بتعاليم تخالف تعصبكم الأعمى وتحارب أهواءكم الجاهلية، فما راق لكم الإنضباط والترابط، وحبذتم الإنفلات والتراخي، فوليتم الأدبار عن تعاليمه الربانية ونسبتم إليه الجنون، فراراً من هدي دعوته المباركة!
ونسبة الجنون إلى النبّي (ص) ليس بالشيء الجديد في مسير دعوة السماء فقد واجه جميع أنبياء اللّه (عليهم السلام) هذا الإفتراء الفارغ من قبل جهلة وكفرة عصورهم، وقد حدثنا القرآن الكريم بتلك الوقائع: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحر أو مجنون) (7).
فالعاقل في منطق الجاهلية، من يخضع للعادات والتقاليد المعاشة وإنْ كانت فاسدة منحطة، ومَنْ يطلق لجماح أهواءه وشهواته العنان، ومَنْ لا يفكر بأيَّ إصلاح أو تغيير لأنّه خروج على السائد المتعارف عليه!
وبناء على هذا المقياس الأعمى... فكلُّ الأنبياء في نظر عبدة الدنيا مجانين...ويؤكّد القرآن على الأرتباط الوثيق ما بين النبىّ (ص) وجبرائيل (ع): (ولقد رآه في الأفق المبين)، وهو "الأفق الأعلى" الذي تظهر فيه الملائكة، حيث شاهد رسول اللّه (ص) جبرائيل (ع).
﴿وَمَا صَاحِبُكُم﴾ محمد ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ كما زعمتم