وتقول آخر الآيات المبحوثة: (وما هو بقول شيطان رجيم).
فالآيات القرآنية ليست كحديث الكهنة الذي يأخذوه من الشياطين، ودليلها معها، حيث أنّ حديث الكهنة محشو بالأكاذيب والتناقضات، ويدور حول محور ميولهم ورغباتهم، في حين لا يشاهد ذلك في الآيات القرآنية إطلاقاً.
والآية تجيب على إحدى افتراءات المشركين، حين اتهموا النبيّ (ص) بأنّه كاهن وكلّ ما جاء به قد أخذه من الشياطين! فحديث الشيطان! لا يتعدى أنْ يكون باطلا و ضلالا في حين أنّ الآيات الرّبانية كلّها نور وهداية، وهذا ما يشعر به كلُّ مَنْ يواجه القرآن ومنذ وهلته الأولى.
"رجيم": من (الرجم)، و (رجام) على وزن (لجام) بمعنى أخذ الحجارة، وتطلق على رمي الحجار على الأشخاص أو الحيوانات، ويستعار الرجم للرمي بـ :الظّن، التوهم، الشتم والطرد، و"الشيطان الرجيم" بمعنى المطرود من رحمة اللّه.
بحث
مؤهلات الرّسول:
الصفات الخمسة التي ذكرتها الآيات المباركة جبرائيل (ع) باعتباره رسول الوحي الإلهي إلى النبيّ الكريم (ص)، هي ذات الصفات التي ينبغي توفرها في كلّ رسول، وبما يناسب نوع ودرجة رسالته.
فلكي يكون الرسول لائقاً لحمل الرسالة، لابدّ من تحلِّيه بركائز أخلاقية ونفسية عالية، أيْ يكون "كريماً" محترماً.
ولابدّ من كونه قادر متمكن "ذي قوّة"، حتى يتمكن من إبلاغ رسالته بكل ما تحمل، ومن دون أنْ يصيبه أيّ ضعف أو فتور أو هوان.
وينبغي أنْ تكون ذو منزلة رفيعة ومقام مرموق عند المرسل، "مكين"، لكي يكون طبيعياً مستقراً في استلامه الرسالة، ولا يناله أيّ خوف أو ارتباك في حال إيصاله لأجوبة الرسالة إلى أيٍّ كان.
ومن المؤهلات اللازمة، أنْ يكون له أعوان ويطيعونه بأمر الرسالة، ولا يتخاذلون عن طاعته، "مطاع".
وأخيراً، لابدّ من كونه "أميناً" في النقل، ليعتمد المرسل عليه فيما يريد أنْ يوصله إليه من الرسالة، فلابدّ من الأمانة بكلَّ معناها والإبتعاد عن الخيانة ولو بأدنى زواياها.
فمتى ما توفرت المؤهلات اللازمة للرسول فيه كان جديراً بأداء حق الرسالة، ولذلك نرى رسول اللّه (ص) كان ينتخب رسله بدقة من بين أصحابه، وأفضل نموذج حي لذلك، إرساله أمير المؤمنين (ع) بإيصال الآيات الأولى من سورة براءة إلى مشركي مكّة، في ظروف قد شرحناها عند تفسيرنا لتلك السورة.
وعن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك" (8).
﴿وَمَا هُوَ﴾ أي القرآن ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ من مسترقة السمع كما زعمتم أنه كهانة.