لا يمكن للهداية والتربية أنْ تؤدّي فعلها بوجود المرشد الناحج فقط، بل لابدّ من توفر عنصر الإستعداد وتقبل الهداية من قبل الطرف الآخر، ولذلك... فبعد الوعظ والتذكير جاءت الآية التالية لتبيّن هذه الحقيقة: (لمن شاء منكم أنْ يستقيم).
فالآية الاُولى: (إنْ هو إلاّ ذكر للعالمين) قد ذكرت عمومية الفيض الإلهي في القرآن الكريم، فيما خصصت الآية التالية: (لمن شاء منكم أن يستقيم) عملية الإستفادة من هذا الفيض الجزيل وحددته بشرط الإستقامة.
وهذه القاعدة جارية في جميع النعم والمواهب الإلهية في العالم، فإنّها عامّة التمكين، خاصّة الإستفادة، فمن لا يملك الإرادة والتصميم على ضوء الهدي القرآني لا يستحق فيض رحمة اللّه ونعمه.
والآية الثّانية من سورة البقرة: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين) تدخل في سياق هذا المعنى.
وعلى أيّة حال، فالآية تؤكّد مرّة اُخرى على حرية الإنسان في اختياره الطريق الذي يرضاه، سواء كا طريق حقّ، أمْ طريق باطل.
ويفهم من "يستقيم"، أنّ طريق السعادة الحقّة، طريق مستقيم، وما دونه لا يكون كذلك، ولولا الإفراط والتفريط والوساوس الشيطانية وأغشية الضلال... لسار الإنسان على هذه السبل المنجيَة، باستجابته لنداء الفطرة واتباعه الخط المستقيم، والخط المستقيم هو أقصر الطرق الموصلة للهدف المنشود.
﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ﴾﴿أَن يَسْتَقِيمَ﴾ بسلوك طريق الحق وأبدل من العالمين لأنهم المنتفعون بالذكر.