لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبعد ذكر كلّ تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده، تأتي النتيجة القاطعة: (علمت نفس ما قدّمت وأخّرت). نعم، فستتجلى حقائق الوجود، وسيصير كلّ شيء بارز إنّه "يوم البروز" وسيرى الإنسان كلّ أعماله محضرة بخيرها وشرّها، لأنّه يوم إزالة الحجب، ورفع مبررات الغرور والغفلة، وعندها... سيعلم الإنسان ما قدّم لآخرته، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها، مثل: الصدقة الجارية، فعل الخير، عمارة الأبنية، الكتب التي ألفها، ما سنّ من السنن... فإن كان ما خلّفه خالصاً للّه فسينال حسناته، وإنْ كانت نيّة أفعاله غير خالصة للّه فستصل إليه سيئات تبعاته. وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت، وهو: المراد من "وأخّرت". صحيح أنّ الإنسان يعلم بما عمل في دنياه بصورة إجمالية، لكنّ حبّ الذات والإشتغال بالشهوات والنسيان غالباً ما ينسيه ما قدّمت يداه، فيتغافل عن النظر إلى ما بدّ منه، أمّا في ذلك اليوم الذي سيتحول ويتغير فيه كلّ شيء حتى روح الإنسان فسيلتفت إلى ما قام به من عمل بكلّ دقّة وتفصيل، كما تشير إلى ذلك الآية (30) من سورة آل عمران: (يوم يجد كلّ نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء)، فكلٌّ سيرى كلَّ أعماله حاضرة مجسمة أمام عينه. وقيل: "ما قدّمت"، إشارة إلى أعمال أوّل عمر الإنسان، و"أخّرت"، إشارة إلى أعمال آخر عمره. ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب من جميع الجهات. ويراد بـ "نفس" الواردة بالآية، كلُّ نفسِ إنسانية. بحث ما يخلفه الإنسان بعد موته: المستفاد من الرّويات الشريفة، بالإضافة لما ورد في الآيات المباركة أعلاه، إنّه ثمّة أعمال وآثار يخلفها الإنسان بعد موته، وما ينجسم من تلك الأعمال والآثار حتى يوم القيامة يبقى مرتبطاً بذات الفاعل الأصلي، فإنْ كانت الأعمال حيّرة فستصله حسنات تتمة العمل واستمراره، وإنْ كانت شريرة فلا يجني منها سوىْ الهون والعذاب. فعن الإمام الصادق7، أنّه قال: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثالث خصال: صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سنّها، فهي تعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له" (1). وفي رواية اُخرى: "ست خصال يتنفع بها المؤمن بعد موته: ولد صالح يستفغر له، مصحف يقرأ منه، وقليب (بئر) يحفره، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجربه، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده" (2). فيما أكّدت بعض الرّوايات على (العلم) الذي يخلِّفه بعده.(3) وقد حذّرت كثير من الرّوايات من أنْ يسنّ الإنسان سنّة سيئة، لأنّ الفاعل الأوّل ستتابع عليه آثام تلك السنة إلى يوم القيامة. وكذلك حثت وشوقت على استنان السنن الحسنة، لينتفع الفاعل الأوّل لها بثوابها الجاري إلى يوم القيامة. وذكر العلاّمة الطبرسي حديثاً في هذا المضمار... إنّ سائلاً قام على عهد النّبي (ص)، فسأل، فسكت القوم، ثمّ أنّ رجلاً أعطاه، فأعطاه القوم... فقال النّبي (ص): "مَنْ استن خيراً فاستن به فله أجره، ومثل اُجور مَنْ اتبعه، غير منتقص من اُجورهم، ومَنْ استن شرّاً فاستن به فعليه وزره، مثل أوزار مَنْ اتبعه غير منتقص من أوزارهم" فتلا حذيفة بن اليمان قوله تعالى: (علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت) (4). وعن أمير المؤمنين (ع)، أنّه قال: "فكيف بكم لو تناهت بكم الاُمور وبعثرت القبور، هناك تبلو كلُّ نفس ما اسلفت، وردّوا إلى اللّه مولاهم الحق، وضل عنهم ما كانوا يفترون" (5). فتعكس هذه الآيات والرّوايات أبعاد مسؤولية الإنسان أمام أعماله، وتبيّن عظم المسؤولية، فأثار فعل الخيرات أو المنكرات يتصل إليه وإنْ امتدت الآلاف السنين بعد موته! (6). ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ سبق نحوه في القيامة.