لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتعرض لنا الآية التالية جانباً من كرم اللّه ولطفه على الإنسان: (الذي خلقك فسّواك فعدلك في أيّ صورة ما (4) شاء ركّبك). فالآية قد طرحت مراحل خلق الإسنان الأربعة... أصل الخلقة، التسوية، التعديل، ومن ثمّ التركيب. ففي المرحله الاُولى: يبدأ خلق الإنسان ومن نطفة في ظلمات رحم الاُم. وفي مرحله الثّانية: مرحلة "التسوية والتنظيم" وفيها يقدر الباري سبحانه خلق كلّ عضو من أعضاء الإنسان بميزان متناهي الدّقة. فلو أمعن الإنسان النظر في تكوين عينه اُذنه أو قلبه، عروقه وسائر أعضاءه، وما اُودع فيها من ألطاف ومواهب وقدرات إلهية، لتجسم أمامه عالماً من العلم والقدرة واللطف والكرم الإلهي. عطاء ربّاني قد شغل العلماء آلاف السنين بالتفكير والبحث والتأليف، ولا زالوا في أوّل الطريق...وفي المرحلة الثّالثة: يكون التعديل بين "القوى" و"الأعضاء" وتحكيم الإرتباط فيما بينها. وبدن الإنسان قد بُني على هذين القسمين المتقاربين، فـ: اليدين، الرجلين، العينين، الاُذنين، العظام، العروق، الأعصاب والعضلات قد توزعت جميعها على هذين القسمين متجانس ومترابط. هذا بالإضافة إلى أنّ الأعضاء في عملها يكمل بعضها للبعض الآخر، فجهاز التنفس مثلاً يساعد في عمل الدورة الدموية بدورها تقدم يد العون إلى عملية التنفس، ولأجل ابتلاع لقمة غذاء، لا تصل إلى الجهاز الهضمي إلاّ بعد أنْ يؤدّي كلُّ من: الأسنان، اللسان،الغدد وعضلات الفم دوره الموكل به، ومن ثمّ تتعاضد أجزاء الجهاز الهضمي على إتمام عملية الهضم وامتصاص الغذاء، لينتج منه القوّة اللازمة للحركة والفعالية...وكلُّ ما ذكر، وغيره كثير، قد جمع قصيرة رائعة... (فعدلك). وقيل: "عدلك" إشارة إلى اعتدال قامة الإنسان، وهو ما يمتاز به عن بقية الحيوانات، وهذا المعنى أقرب للمرحلة القادمة ولكن المعنى الأوّل أجمع. وفي المرحلة الرابعة: تكون عملية "التركيب" وإعطاء الصورة النهائية للإنسن نسبةً إلى بقية الموجودات. نعم، فقد تكرم الباري بإعطاء النوع الإنساني صورة موزونة عليها مسحة جمالية بديعة قياساً مع بقية الحيوانات، وأعطى الإنسان فطرة سليمة، وركّبه بشكلٍّ يكون فيه مستعداً لتلقي كلَّ علم وتربية. ومن حكمة الباري أن جعل الصور الإنسانية مختلفة متباينة، كما أشارت إلى ذلك الآية (22) من سورة الروم: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم)، ولولا الإختلاف المذكور لاختل توازن النظام الإجتماعي البشري. ومع الإختلاف في المظهر فإنّ الباري جلّ شأنه قدّر الإختلاف والتفاوت في القابليات والإستعدادات والأذواق والرغبات، وجاء هذا النظم بمقتضى حكمته، وبه يمكن تشكيل مجتمع متكامل سليم وكلّ حوائجه ستكون مؤمَّنَة. وتلخص الآية (رقم 4) من سورة التين خلق اللّه للإنسان بصورة إجمالية: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). والخلاصة: فالآيات المبحوثة، إضافة لآيات أُخرَ كثيرة تهدف وبشكلٍّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته، منذ كان نطفة قذرة، مروراً بتصويره وتكامله في رحم اُمّه، حتى أشدّ حالات نموه وتكامله، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم اللّه، وكلُّ حيّ يفعم برحمة اللّه في كل لحظات حياته، ولابدّ لكلّ حي ذي لبّ وبصيرة من أنْ يترحل من مطية غروره وغفلته، ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته، وإلاّ فالهلاك الحتمي. ﴿الَّذِي خَلَقَكَ﴾ ولم تك شيئا ﴿فَسَوَّاكَ﴾ جعلك مستوى الخلقة ﴿فَعَدَلَكَ﴾ جعلك معتدل البنية متناسب الأعضاء.