سبب النّزول:
قال ابن عباس: لمّا قَدِمَ نبيّ اللّه المدينة، كانوا من أبخس النّاس كيلاً، فأنزل اللّه هذه الآية، فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
وقيل: كان تجار المدينة تجاراً يطففون، وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت هذه الآية، فخرج رسول اللّه (ص) فقرأها عليهم وقال: "خمس بخمس"، قيل يا رسول اللّه، وما خمس بخمس؟
قال: "ما نقص قوم العهد إلاّ سلط اللّه عليهم عدّوهم!
وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلاّ فشا فيهم الفقر!
وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت!
ولا طففوا الكيل إلاّ منعوا النبات وأُخذوا بالسنين!
ولا منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم المطر!" (1).
وروى العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان: إنّ رجلاً كان في المدينة يقال له (أبو جهينة) كان له صاعان، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، فنزلت هذه الآيات. (2)
التّفسير:
ويلٌ للمُطفِّفين:
بدأ الحديث في هذه السّورة بتهديد شديد للمطففين: (ويل للمطفّفين).
وتمثل الآية في حقيقة توجيهها، إعلان حرب من اللّه عزّوجلّ على هؤلاء الظالمين، الذين يأكلون حقّ النّاس بهذه الطريقة القذرة.
"المطفّفين": من (التطفيف) وأصله من (الطف)، وهو جوانب الشيء وأطرافه، وإنّما قيل لكربلاء بـ (وادي الطف)، لوقوعها على ساحل نهر الفرات، و (الطفيف) : الشيء النزر، و (التطفيف) : البخس في الكيل والوزن، ونقص المكيال، وهو أن لا تملأه إلى أصباره.
"ويل": تأتي بمعاني: حلول الشرّ، الحزن، الهلاك، المشقّة من العذاب، واد مهيب في نار جهنم، وتستعمل عادة في اللعن وبيان قبح الشيء، ورغم صغر الكلمة إلاّ أنّها تستبطن مفاهيم كثيرة.
وروي عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: "ولم يجعل اللّه الويل لأحد حتى يسميه كافراً، قال اللّه عزّوجل: (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) (3).
وما نستفيده من هذه الرّواية هو: إنّ التطفيف فيه وجه من الكفر.
﴿ويل للمطففين﴾ التطفيف بخس المكيال والميزان لأن ما يسرق به طفيف أي قليل.