التّفسير
مقارنة بين الجنة والنار:
في هذه الآيات - على أثر البحث في الآيات السابقة حول إنحراف الكفار في مسألة التوحيد والنّبوة - يتناول القرآن الكريم قسماً آخر من انحرافاتهم في مسألة المعاد، ويتّضح مع بيان هذا القسم أنّهم كانوا أسارى التزلزل والإِنحراف في تمام أصول الدين، في التوحيد، وفي النبوة، وفي المعاد، حيث ورد القسمان الأولان منه في الآيات السابقة، ونقرأ الآن القسم الثالث:
يقول تعالى أوّلا: (بل كذبوا بالساعة).
وبما أنّ كلمة "بل" تستعمل لأجل "الإِضراب" فيكون المعنى: أن ما يقوله أُولئك الكفار على صعيد نفي التوحيد والنبوة، إنّما ينبع في الحقيقة من إنكارهم المعاد، ذلك أنه إذا آمن الانسان بهكذا محكمة عظمى وبالجزاء الإِلهي، فلن يتلقى الحقائق بمثل هذا الإِستهزاء واللامبالاة، ولن يتذرع بالحجج الواهية ضد دعوة النّبي وبراهينه الظاهرة، ولن يتذلل أمام الأصنام التي صنعها وزينّها بيده.
لكن القرآن هنا لم يتقدم برد استدلالي، ذلك لأن هذه الفئة لم تكن من أهل الإِستدلال والمنطق، بل واجههم بتهديد مخيف وجسد أمام أعينهم مستقبلهم المشؤوم والأليم، فهذا الاسلوب قد يكون أقوى تأثيراً لمثل هؤلاء الأفراد يقول أوّلا: (واعتدنا لمن كذّب بالساعة سعيراً).(1)
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ أي بل أتوا بأعجب من تكذيبك وهو تكذيبهم بالساعة ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ نارا شديدة الاستعار أو هو اسم لجهنم.