لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: سُنّة التغيّر! لمزيد من إيضاح ما ورد في الآيات السابقة بخصوص سير الإنسان التكاملي نحو خالقه سبحانه وتعالى... تأتي الآيات لتقول: (فلا اُقسم بالشفق). (والليل وما وسق)، أي: وما جمع. (والقمر إذا اتسق)، أي: إذا اكتمل. (لتركبُنّ طبقاً عن طبق). "لا" في "لا اُقسم": زائدة، وجاءت للتأكيد. وثمّة مَن اعتبرها (نافية)، أي: لا اُقسم، لأنّ الأمر من الوضوح ما لايحتاج فيه إلى قسم، أو أنّ القسم بهذا الموضوع لا يليق وأهميته، أو أنّ ما اُقسم به من الأهمية بحيث يليق أنّ لا يقسم به. إلاّ أنّ الأوّل (كونها زائدة جاءت للتأكيد) أقرب من البقية. "الشفق": اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس، و (الإشفاق) : عنايه مختلطة بخوف، لأنّ (المشفق) يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه (1). ويقول الفخر الرازي: تركيب لفظ "الشفق" في أصل اللغة لرقّة الشيء، ومنه يقال: ثوب شفق، كأنّه لا تماسك له لرقته، و (الشفقة) : رقة القلب. (والظاهر أنّ قول الراغب أقرب للصواب). وعلى أيّة حال، فـ "الشفق" هو وقت الغروب، وقد اُختلف في تعيين وقته ما بين الحمرة التي تظهر في الاُفق الغربي عند بداية الليل، وبين ما يظهر بعد الحمرة من بياض، والمشهور بين العلماء والمفسّرين هو التعيين الأوّل، وهو المستعمل على لسان الاُدباء أيضاً حيث يشبهون دماء الشهداء بالشفق. إلاّ أنّ البعض اختار التعيين الثّاني، على ما يبدو عليه من ضعف، وخصوصاً إذا ما اعتبرنا (الرّقة) هي الأصل اللغوي للكلمة، حيث أنّها ستتناسب مع الحمرة الخفيفة الرقيقة دون الثّاني. وعلى أية حال، فقد جاء القسم بالشفق للفت الأنظار إلى ما في هذه الظاهرة السماوية الجميلة من معان، فمنه تُعلن حالة التحول العام من النهار إلى الليل، إضافة لما يتمتع به من بهاء وجمال، وكونه وقت صلاة المغرب. وأمّا القسم بالليل، فلما فيه من آثار كثيرة وأسرار عظيمة (وقد تناولنا ذلك مفصلاً) (2). "ما وسق" (3) : إشارة إلى عودة الإنسان والحيوانات والطيور إلى مساكنها عند حلول الليل (بلحاظ كون الوسق بمعنى جمع المتفرق) (4)، فيكون عندها سكناً عاماً للكائنات الحيّة، وهو من أسرار وآثار الليل المهمّة، كما أشارت الآية (61) من سورة غافر إلى ذلك: (اللّه الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه). (إذا اتسق) : من (الإتساق)، وهو الإجتماع والإطراد، وتريد الآية به، اكتمال نور القمر في الليلة الرابعة عشر من الشهر القمري، حيث يكون بدراً. ولا يخفى ما لروعة البدر في تمامه، فنوره الهاديء الرقيق يكسو سطح الأرض، وهو من الرقّة واللطافة بحيث لا يكسر ظلمة الليل وسكونه، ولكنّه ينير درب سالكيه! فهو آية كبرى من آيات اللّه، ولذا جاء القسم به. وينبغي الإلتفات إلى الصلة الموجودة فيما أقسمت الآيات بهن: (الشفق، الليل، ما اجتمع فيه، والقمر في حالة البدر) وجميعها موضوعات مترابطة ويكمل بعضها البعض الآخر، وتشكل بمجموعها لوحة فنية طبيعية رائعة، وتحرّك عند الانسان التأمل والتفكير في عظمة ودقّة وقدرة الخالق في خلقه، ويمكن للإنسان العاقل بتأمل هذه التحولات السريعة من التوجه إلى قدرته جلّ شأنه على المعاد ما يحمل بين طياته من تغيّرات في عالم الوجود. والأمر المثير هو أنّ القرآن الكريم يشير هنا إلى اُمور متتابعة الوقوع، فعندما تغيب الشمس يظهر الشفق معلناً عن بداية حلول الليل، الذي تتجه الكائنات الحية فيه إلى بيوتها، ثمّ يخرج القمر بدراً تامّاً (علماً بأنّ البدر في ليلة تمامه يخرج مع بداية الليل!). ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ اجتمع وتم.