لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ: (فجعله غُثاء أحوى). "الغثاء": هو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس على سطح الماء الجاري، ويطلق أيضاً على ما يطفح على سطح القدر عند الطبخ، ويستعمل كناية عن: كلّ ضائع ومفقود، وجاء في الآية بمعنى: النبات اليابس المتراكم. "أحوى": من (الحوة) - على زنة قوّة - وهي شدّة الخضرة، أو شدّة السواد، وكلاهما من أصل واحد، لأنّ الخضرة لو اشتدّت قربت من السواد، وجاء في الآية بمعنى: تجمع النبات اليابس وتراكمه حتّى يتحول لونه تدريجياً إلى السواد. ويمكن أن يكون اختيار هذا التعبير في مقام بيان النعم الإلهية، لأحد أسباب ثلاث: الأوّل: إنّ حال هذه النباتات يشير بشكل غير مباشر إلى فناء الدنيا، لتكون دوماً درساً وعبرة للإنسان، فهي بعد أن تنمو وتخضر في الربيع، شيئاً فشيئاً ستيبس وتموت بعد مرور الأيّام عليها، حتى يتحول جمالها الزاهي في فصل الربيع إلى سواد قاتم، ولسان حالها يقول بعدم دوام الدنيا وانقضائها السريع. الثّاني: إنّ النباتات اليابسة عندما تتراكم، فستتحول بمرور الوقت إلى سماد طبيعي، ليعطي الأرض القدرة اللازمة لإخراج نباتات جديدة اُخرى. الثّالث: إنّ الآية تشير إلى تكوّن الفحم الحجري من النباتات والأشجار. فكما هو معلوم، إنّ الفحم الحجري، والذي يعتبر من المصادر المهمّة للطاقة، قد تكوّن من النباتات والأشجار التي يبست منذ ملايين السنين، ودفنت في الأرض حتى تحجرت واسود لونها بمرور الزمان. ويعتقد بعض العلماء، بأنّ مناجم الفحم الحجري قد تكوّنت من جراء النباتات اليابسة المدفونة في داخل الأرض منذ (250) مليون سنة تقريباً! ولو أخذنا بنظر الاعتبار مقدار الاستهلاك الفعلي للفحم الحجري في العالم، لوجدنا أنّها تؤمن احتياج النّاس لأكثر من (4000) سنة. وتفسير الآية بالمعنى الأخير دون غيره بعيد حسب الظاهر، ولا يستبعد أن تكون الآية قد أرادت كل ما جاء في المعاني الثلاث أعلاه. وعلى أيّة حال، فللغثاء الأحوى منافع كثيرة... فهو غذاء جيد للحيوانات في الشتاء، ويستعمل كسماد طبيعي للأرض، وكذا يستعمله الإنسان كوقود. فما ذكرته الآيات من صفات: الربوبية، الأعلى، الخلق، التسوية، التقدير، الهداية وإخراج المرعى، توصلنا إلى الربوبية الحقّة للّه جلّ وعلا، وبقليل من التأمل يتمكن أيّ إنسان من إدراك هذا المعنى، ليصل نور الإيمان إلى قلبه، فيشكر المنعم على ما أعطى. بحث مسألة التقدير والهداية العامّة للموجودات، التي تناولتها الآيات الآنفة الذكر كمظهر من مظاهر ربوبية اللّه عزّوجلّ، تعتبر من المسائل الحيوية والتي كلما تقدم الزمان وتوسعت مدارك وعلوم الإنسان، إزداد في الوصول إلى حقائق جديدة تضاف إلى معلوماته السابقة. فالإكتشافات العلمية الجديدة في كلّ يوم تحيطنا علماً لرؤية وجوه جديدة رائعة لتقدير اللّه مخلوقاته وهدايته لها. ويزيّن المفسّرون تفاسيرهم ببعض النماذج من تلك الأسرار الرائعة في خصوص الهداية التكوينية لحركة الحيوانات، واعتمد البعض على ما ذكره العالم المعروف (كريسي موريسن) في كتابه (أسرار خلق الإنسان)، وإليكم مختصراً ممّا جاء فيه: 1 - تقطع الطيور المهاجرة - في بعض الأحيان - الآف الكيلومترات في السنة، عابرة الصحارى والغابات والبحار، وعند عودتها تعرف طريق موطنها الأصلي بكل دقّة، ولا تضل عنه أبداً. ومن النحل ما يبتعد عن خليته لمسافات بعيدة جدّاً، ولكنّه يعود إلى خليته بكلّ سهولة ويسر، في حين نرى الإنسان في حال عودته إلى وطنه يحتاج إلى عناوين وعلامات دقيقة، حتى لا يضل الطريق! 2 - الحشرات تتمتع بعيون مجهرية ذات دقّة فائقة حيّرت عقول العلماء، من حيث بنائها وقدرتها على النظر في حين أن عيون الصقور تلسكوبية تعينها على النظر لمسافات بعيدة جدّاً. 3 - حينما يسير الإنسان بين عتمة الليل الداكنة فلابدّ له من إضاءة تعينه في مسيره، إلاّ أنّ كثيراً من الطيور تصل أهدافها في حلكة الليل الدامس، مستعينة بما لعيونها من قدرة على التحسس بالأشعة ما دون الحمراء! ولبعضها مراكز حسّاسة تشبه في عملها الرادارات المتطورة! 4 - للكلاب حاسة شم مميزة، تستطيع من خلالها معرفة أيّ كائن حي يقع في طريقها، وهذا ما لا يتوفر عند الإنسان، بالرغم من التقدم التقني الذي وصل إليه. 5 - حاسة السمع عند جميع الحيوانات أقوى وأدق من سمع الإنسان بدرجات، على الرغم من استعمال الإنسان للأجهزة العلمية المتطورة في سمعه، بحيث يستطيع أن يستمع إلى حركة أجنحة ذبابة على بُعد عدّة كيلومترات منه! ولعل السرّ في هذا التفاوت بين قدرة حواس الإنسان والحيوان، يرجع إلى القدرة العقلية المودعة في الإنسان، والتي بها يسد كلّ نقص، فيما لا تمتلك الحيوانات هذه القدرة الفعالة. 6 - وثمّة حركة عجيبة عند بعض الأسماك الصغيرة، فهي تقضي السنين من عمرها في البحار، ولكن حين يحين وقت وضع البيض، فإنّها تترك البحار متجهة إلى تلك الأنهار التي فيها ولدت، فتسير بعكس التيار لمدّة طويلة حتى تصل إلى مسقط رأسها، المكان المناسب لتكاثرها! 7 - والاعجب منها حياة بعض الأسماك وحيوانات الماء التي تسلك في حياتها عكس الصنف السابق. (فَجَعَلَهُ﴾ بعد خضرته ﴿غُثَاء﴾ يابسا ﴿أَحْوَى﴾ أسود ليبسه أو لشدة خضرته.