وبعد هذا البحث التوحيدي، يتوجه القرآن الكريم لمخاطبة النّبي الأكرم (ص) : (فذكّر إنّما أنت مذكر)... (لست عليهم بمصيطر).
نعم، فخلق السماء والأرض والجبال والحيوانات ينطق بعدم عبثية هذا الوجود، وأنّ خلق الإنسان إنّما هو لهدف...
فذكّرهم بهدفية الخلق، وبيّن لهم طريق السلوك الربّاني، وكن رائدهم وقدوتهم في مسيرة التكامل البشري.
وليس باستطاعتك إجبارهم، وإن حصل ذلك فلا فائدة منه، لأنّ شوط الكمال إنّما يقطع بالإرادة والإختيار، وليس ثمّة من معنى للتكامل الإجباري.
وقيل: إنّ هذا الأمر الإلهي نزل قبل تشريع "الجهاد"، ثمّ نسخ به!
وما أعظم هذا الإشتباه!!
فرسول اللّه (ص) مارس عملية التذكير والتبليغ منذ الوهلة الاُولى للبعثة الشريفة واستمر على هذا النهج حتى آخر لحظة من حياته الشريفة المباركة، ولم تتوقف العملية عن الممارسة من بعده، حيث قام بهذه المهمّة الأئمّة (ع) والعلماء من بعدهم، حتى وصلت ليومنا وسوف لن تتوقف بإذن اللّه تعالى، فأيّ نسخ هذا الذي يتكلمون عنه!
ثمّ إنّ عدم إجبار النّاس على الإيمان يعتبر من ثوابت الشريعة الإسلامية السمحاء، أمّا هدف الجهاد فيتعلق بمحاربة الطغاة الذين يقفون حجر عثرة في طريق دعاة الحقّ وطالبيه.
وثمّة آيات اُخرى في القرآن قد جاءت في هذا السياق، كالآية (80) من سورة النساء: (ومَن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً)، وكذا الآية (107) من سورة الأنعام، والآية (48) من سورة الشورى – فراجع "مصيطر": من (السطر)، وهو المعروف في الكتب، و (المسيطر) : الذي ينظم السطور، ثمّ استعمل لكلّ مَن له سلطة على شيء، أو يجبر أحداً على عمل ما.
(فَذَكِّرْ﴾ بهذه الدلائل ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾.