لكن الأثر الوضعي للهبوط في الأرض لم يتغير، كما يذكر القرآن: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنّي هُدىً، فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
بحوث
1 - الكلمات التي تلقاها آدم:
تعددت الآراء في تفسير «الكلمات»، التي تلقاها آدم (عليه السلام) من ربّه.
المعروف أنها الكلمات المذكورة في الآية 23 من سورة الأعراف: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَم تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وقال آخرون أن المقصود من الكلمات هذا الدعاء: «اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرينَ».
«اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَارْحَمْنِي إِنَّكَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ».
«اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
وهذا ما نقل في رواية عن الإِمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) .
مثل هذه التعابير ذكرها القرآن على لسان يونس وموسى(عليهما السلام).
يونس ناجى ربّه فقال: ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
وموسى أيضاً: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾.
وفي روايات وردت عن طرق أهل البيت(عليهم السلام) أن المقصود من «الكلمات» أسماء أفضل مخلوقات الله وهم: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين - عليهم أفضل الصلاة والسلام - وآدم توسل بهذه الكلمات ليطلب العفو من ربّ العالمين فعفا عنه.
هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها، ولعلّ آدم تلقى من ربّه كل هذه الكلمات، كي يحدث فيه تغيير روحي تام بعد أن يعي حقيقة هذه الكلمات، وليشمله بعد ذلك لطف الله ورحمته.
2 - سبب تكرار جملة «اهْبِطُوا»:
الأمر بالهبوط تكرر في الآيتين: 36 و38 من هذه السّورة، أي قبل توبة آدم وحواء وبعدها.
للمفسرين رأيان في سبب التكرار، بعضهم قالوا للتأكيد، وآخرون قالوا إن موضوع الجملة الاُولى يختلف عن موضوع الجملة الثانية.
والظاهر أن الجملة الثانية توضح لآدم مسألة عدم إنتفاء الأمر بالهبوط في الأرض بعد قبول التوبة، وعدم الإِنتفاء هذا يعود إمّا إلى أن آدم قد خلق منذ البداية لهذا الهدف، أو لأن هذا الهبوط أثر وضعي لعمله.
وهذا الأثر الوضعي لا يتغير بالتوبة.
3 - من هم المخاطبون في جملة «اهْبِطُوا»؟
الضمير في «اهبطوا» للجمع، بينما عدد المخاطبين إثنان فقط، هما آدم وزوجه.
والجمع هنا ناظر إلى النتيجة التي تستتبع هبوط آدم وحواء في الأرض.
﴿ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً﴾ أمر أولا بالهبوط وثانيا بأن لا يتقدم أحدهم الآخر وقيل الأول هبوط قرن بالتعادي والثاني للتكليف وقيل الأول من الجنة إلى سماء الدنيا والثاني منها إلى الأرض وقيل تأكيد ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ ما زائدة تؤكد إن الشرطية والجواب ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ حين يخاف الكافرون ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين الموت.